ودمشق وغيرها. ولم يتخذ الجاحظ علم تقويم البلدان صناعة له (المسعودى، ج ١، ص ٢٠٦) على انه يتبين من الفقرات التي أوردها في مصنفاته أن ملاحظاته كانت منصبة على الشعوب أكثر منها على أحوال البلدان.
وكان الجاحظ عالمًا بالطبيعة والإنسان، ولكنه لم يقصد في كتبه إلى وضع قواعد هذين العلمين، وإنما كان همه إثارة اهتمام القارئ بهما وذلك بتحبيبهما إليه. ومن كتبه في هذا الباب "كتاب الزرع والنخل" و "كتاب الصرحاء والهجناء كتاب السودان والبيضان" و "كتاب النعل" كتاب المعادن". وعالج الجاحظ في "كتاب النساء" موضوعا أدخل في علم النفس، وهو الفرق بين الذكر والأنثى واستعداد كل منهما ونوع الحياة التي تلائمهما. وتناول في "كتاب المسائل" مواضيع من قبيل مايلى: هل الغيرة من طبيعة الإنسان أم هل هي من صنع المدنية ينبغي أن نميز بينها وبين الأنفة والحمية؛ وليس من شك في أن "كتاب الحيوان" (نشر بالقاهرة عام ١٣٢٣ - ١٣٢٤ هـ) هو أهم ما بقى من كتب الجاحظ، فهو -مثل كتاب نبات أبي حنيفة- من أول الثمار التي أنتجتها دراسة العرب للطبيعة، وهي دراسة كانت في منشئها. وليس في هذا الكتاب إلا أثر ضئيل من آثار اليونان، على الرغم مما نقله صاحبه عن أرسطو. وفي الكتاب من الشواهد الشعرية مثل مافيه من ملاحظ المؤلف نفسه. وهذا الولع بذكر الشواهد Iaci Prnbantes يذكرنا بالنحاة. وكتاب الحيوان وثيق الصلة بالكلام، لأن المؤلف سعى إلى إظهار وحدة الطبيعة وإلى أن الأجزاء المكونة لها متساوية القيمة في نظر الرائى. وهو لم يكتف بدراسة الحيوانات الكبيرة فحسب، بل أظهر شيئًا من الميل إلى دراسة الحشرات والمخلوقات المتناهية في الصغر. وفي هذا الكتاب نظريات علمية (التطور والتأقلم وعلم النفس الحيوانى) في دور التكوين، وقد اكتملت هذه النظريات في أيامنا هذه.
ويجوز لنا أن ندخل في هذا الباب طائفة أخرى من كتب الجاحظ درس