الذهب، ج ٦، ص ٥٥ وما بعدها) قد أساء فهم المغزى الحقيقي لكتاباته. وإذا أمكن التثبت من تاريخ رسالة النابتة للجاحظ فربما استطاع المرء أن يستبين أنه حذّر المسؤولين من الردّة التي قد يؤدى إليها ترك مذهب المعتزلة، ثم خرج الجاحظ من ميدان النضال بمجرد أن تفوق السنية في ردهم وساد موقفهم حينذاك، ومن يومها قصر الجاحظ نشاطه على النشاط الأدبى الصرف. ويؤيد هذا الفرض أنه ألف "كتاب البلغاء" في الجزء الأخير من حياته.
وكان الجاحظ معتزليا في الكلام كما هو في السياسة، ولو أن مذهبه قلما تظهر فيه آية سمات أصيلة. وقد فقدت معظم كتاباته التي بسط فيها مذهبه، ولذلك حق على المرء أن يغفل التعليقات العارضة الواردة في "كتاب الانتصار" للخياط الذي ترجمه ونشره نادر (A.N. Nader , بيروت سنة ١٩٥٧) والمعلومات التي جاءت في كتب من صنفوا في الفرق (البغدادي: الفرق بين الفِرق، ص ١٦٠ وما بعدها" ابن حزم: الفصل، ج ٤، ص ١٨١، ١٩٥ الشهرستانى: على هامش ابن حزم، ج ١، ص ٩٥ - ٩٦. إلخ؛ وانظر أيضًا Die phil. Systeme der Spek-: Horten ulativen Theologen im Islam، ص ٣٢٠ وما بعدها! Garde .L: : Introd a. la theo musulmane logie dogie الفهرس؛ Le Systeme philosophique de A.N. Nader Mu tazila، بيروت سنة ١٩٥٦، الفهرس)، وهي معلومات تلخص أو تبرز نقاطًا يختلف فيها الجاحظ عن المعتزلة الآخرين. ونحن لا نعلم إلا القليل جدًّا من مذهب الجاحظ.
ونقول في الوقت نفسه إن الجاحظ يتميز بصفة خاصة في ميدان الكتابة والأدب بأن الشكل عنده لم يطغ على المضمون حتى في المسائل الاصطلاحية الصرف، مع أن مكانه في تطور الفكر الإسلامي لايمكن أيضًا أن نهمله بحال. ولم يكن الجاحظ يحتل مركز الصدارة بين أئمة الكتاب العرب الناثرين، إذ يعد من أساتذته في البلاغة عبد الله بن المقفع وسهل بن هارون إذا اكتفينا بذكر اثنين فحسب من هؤلاء الأئمة، ومع ذلك فإنه