للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على أن كتاب الحنفية يؤثرون أن يستعملوا المصطلح "جائز" لا على اعتبار أنه يدل على فعل صحيح، بل لأنهم يستعملونه ليحدد بصفة خاصة أن الفعل يتفق مع الشرع. وفي كتبهم تبدأ دراسة كل عقد تحت النظر -بصفة عامة- بديباجة يحار فيها الكاتب في أن يسجل هل العقد جائز بنص أو بالعرف أو بإجماع الجمهور أو بمجرد ما فيه من منفعة عملية) Chafik Chehata: Theorie geneale de l'obligation en droit musulman، ج ١، ص ١٠٥، رقم ١١٧) ويصدق هذا على عقد الإجارة الكاسانى: بدائع الصنائع، ج ٤، ص ١٧٤) والكفالة (المصدر نفسه، ج ٦، ص ٣) والوضيعة (السرخسى: المبسوط، ج ١١، ص ١٠٨). وفي جميع هذه النصوص يثير الكاتب مسألة هل العقد جائز أم غير جائز بحسب ما تكون شروط انعقاده أو صحته قد استوفيت أم لم تستوف. ومن ثم فإنه في عقد "الاستصناع" توضح شرائط شرعيته بمعزل عن شرائط انعقاده وصحته ولزومه ونفاذه (الكاسانى، ج ٥، ص ٢٠٩). وفي بعض الحالات يستبدل بمصطلح "جائز" مصطلح "مشروع" كما يحدث في عقد "المزارعة" (انظر الكاسانى، ج ٦، ص ١٧٥ في عقد الإشراك (الكاسانى، ج ٥، ص ٢٢٠). والحق أن الفعل "الجائز" هو -على وجه الصواب- الفعل المشروع الذي يتفق مع الشرع. ولكن كلمة المشروع في هذا المقام يجب أن تفهم على وجه خاص، ذلك أن المسألة ليست مسألة شرعية العقد أو سببه، بمقدار ما هو العقد في ذاته من حيث مدى مطابقته للشرع. ومن ثم فإن مصطلح "جائز" في التحليل الأخير، وكما يستعمله الفقهاء في تناولهم الفروع، يقترب بطريقة غير مباشرة من المصطلح "مباح" الذي نجده في كتب الأصول وفي كتب الفقهاء الأصوليين.

زد على ذلك أن المصطلح "جائز" بمعنى مشروع يتجاوز حدود الأفعال الشرعية، فهو ينطوى على نظرية المسئولية الجنائية، من حيث أنه يقرر