للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولنبدأ بسورة البقرة، الآية ٩٧ {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}. فهذه الآية تبين شأن جبريل في تبليغ القرآن وهي آية من السور المتأخرة على التحقيق. ولكن هذه الآية إنما رددت آية أخرى لا شك في قدمها نعتت الملك المبلغ الوحى بـ"الروح القدس". (سورة النحل، الآية ١٠٢ "قل نزله روح القدس من ربك الحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين". ونعت هذا الروح في سورة أخرى من أقدم السور بـ"الرسول" مشفوعًا بصفات من التبجيل والتعظيم (سورة التكوير، الآيات ١٩ - ٢١) {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}.

ومن المحتمل أن النبي {- صلى الله عليه وسلم -} لم يسم لأول وهلة الروح الذي نزل عليه لأن الآيات الثلاث التي ورد فيها اسم جبريل نزلت متأخرة. وفي سورة العلق التي تتصل في أغلب الظن بأول ما نزل من الوحى وما غشى محمد، عندما تلقى الرسالة لم يعين الملك بالاسم أو باللقب بل ذكر الخبر موجز، مقتضبا لايتعلق بشخص، فقد جاء فيها {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}. وتذكر الرواية أن الوحى نزل أول ما نزل بجبل حراء بالقرب من مكة، حيث قفل النبي {- صلى الله عليه وسلم -} راجعًا والصوت يسترسل قائلا "يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل".

والمتفق عليه فيما يظهر أن النبي {- صلى الله عليه وسلم -} سمع الروح دون أن يراه. وفي سورة النجم (الآيات ٥ - ١٦) آيات قوية التعبير صادقة يتضح منها أن النبي {- صلى الله عليه وسلم -} لم ير الوحى إلا في مناسبتين، وهذه الآيات هي {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}. ودقة هذه التفاصيل لا تترك مجالا للشك في