صدق الرؤيا ثم تقول الرواية إن جبريل أتاه بالبراق بعد هذه الرؤيا.
والظاهر أن النبي {صلى الله عليه وسلم} عرف جبريل من خبر البشارة الواردة في الإنجيل، ولكنه لم يكن في مقدوره أن يعرف الإنجيل من غير وساطة، ولعله سمع ذلك الخبر من أفواه بعض الفلاسفة أو الباحثين في الأديان أو من أحد الحنفية وقد وصلهم هذا الخبر مشوها (١). وفي رأى النبي {صلى الله عليه وسلم} أن الله بعث بروحه إلى مريم فتمثل لها بشرًا سويًا (سورة مريم، الآية ١٧ و ١٩). ولم يذكر اسم الروح في هذه الآية ولكنه قال لمريم إنه رسول من ربها يهب لها غلاما. ويذكر النبي {صلى الله عليه وسلم} في سورة التحريم أن مريم قد أحصنت فرجها وأن الله قد نفخ فيه من روحه، فقد جاء في الآية ١٢ من هذه السورة {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}. وتذهب الرواية إلى أن جبريل قد اقترب من مريم ونفخ في حضنها فحملت.
ونمت هذه القصة نموًا كبيرًا بين المسلمين، ويلاحظ ذلك لأول وهلة كل من يطالع كتاب "مختصر العجائب" (ترجمة كارَا ده فو باسم Abrege des Merveilles) أو من المجلد الأول من تاريخ الطبري الخاص بأخبار فارس (ترجمة زوتنبرغ). وقل من الأنبياء من لم يوح إليه هذا الرسول السماوى أو يؤيده: وقد واسى جبريل آدم بعد خروجه من الجنة وأوحى له بالصحائف الواحدة والعشرين كما علمه زراعة الحنطة وعمل الحديد حروف الهجاء وأخذه إلى مكة حيث علمه مناسك الحج. وجبريل أيضًا هو الذي علم نوحًا كيف يبنى الفلك كما أنه حفظ إبراهيم من حر النار (سورة الأنبياء الآية ٦٩). وكانت له مع هذا الجد صلات كثيرة أخرى. وأعان جبريل موسى على سحرة مصر. وظهر عند خروج بنى إسرائيل من مصر على رمكة بيضاء ليحض المصريين على خوض البحر الأحمر لتطبق عليهم
(١) قد بينا مرارا فيما مضى من تعليقات على بعض المواد أن النبي لم يكن يعرف هذه الكتب التي يسمونها "أناجيل" ولم يقرأ شيئًا منها، ولم يأخذ علما عن أحد من الفلاسفة أو غيرهم، ومن ادعى هذا عجز عن إثباته، ولجأ إلى الدعوى ثم تأكيد الدعوى، من غير دليل.