الجاهلى، وإن كانت تعوزنا الرواية الوثيقة المزيدة لذلك (Alte: Sprenger Giogr. Arabiens ص ٣٩)
وفي عام ٢٦ للهجرة اختارها الخليفة عثمان مرفأ لمكة، فكان ذلك أساس شهرتها في مستقبل الأيام. ذلك أن مكة، محج العالم الإسلامي جميعا، كانت منذ القدم موردا عظيما للتجارة، تزودها مصر بالمؤن بطريق جدة، ومن ثم كانت جدة مفتاحها. وقد اعتمدت البلدتان على مصر اقتصاديا فسياسيا، وكانت مكوس جدة (المقدسي، ص ٧٩، ١٠٤ التي وصفت حتى في زمن الاصطخرى بأنها بلدة رائجة للتجارة، مصدرا كبيرا من مصادر دخل ولاة الحجاز في ذلك الوقت. يضاف إلى هذا ما كانوا يجبونه على الحجيج من مكوس. فقد كان هؤلاء ونخص بالذكر منهم حجاج إفريقية الذين يركبون البحر من عَيذاب (المقدسي، ص ٢١٠) ينزلون إلى الجزيرة العربية في جدة وفي القرن الخامس الهجرى الموافق التاسع الميلادي رأى ناصر خسرو (طبعه شيفر، ص ٦٥ - ص ١٨١ - ١٨٣ من الترجمة) على جدة- وكانت آنئذ بلدة غير مسورة بلغ سكانها من الذكور نحوا من خمسة آلاف- واليا من موالى شريف مكة، وكان أهم ما وكل إليه جمع الأمو ال. ويروى الإدريسى (ترجمة جوبير Jauberi. ج ١، (أن بيت مال الشريف كان يعتدم على ما يحصله من مرفا جدة. وقد غدا هذا المرفا على الأيام مركزا من مراكز تجارة العالم، لكتقى فيه السفن القادمة من مصر بالسفن الخارجة من الهند وشرقى إفريقية.
وقد رسم ابن جبير (طبعة ده غويه، ص ٧٥ وما بعدها) صورة جلية للبلدة كما كانت تبدو عام ٥٧٩ هـ (١١٨٣) باكواخها المصنوعة من القصب وخاناتها المبنية بالحجر، واثار أسوارها ومساجدها التي يقال إن إنشاءها كان على يد عمر وهارون الرشيد، وأهلها الأشراف النسب، وأثنى على صلاح الدين لإبطاله الرسوم التي كان يجبيها أشراف مكة.
أما المكوس التي ظلت تحيى على السفن الهندية فقد أوشكت أن تكون باهظة في بعض الأحيان ثم إنها أثارت جشع أمراء الحجاز ومماليك مصر، فتولوا هم أنفسهم جمع هذه الرسوم