وعود ربهم وتحذيراته، وأن يعدّوا أنفسهم في هذه الحياة الدنيا للحياة الباقية التي تنتظرهم. ومن ثم تجد مقابلة بين نظرة الوثنى التي تتصف بالخفة وعدم المبالاة وإنكار خلود النفس والبعث وجنوح إلى التنعم بمتع الدنيا كلها دون خشية من عقاب، وبين نظرة الإسلام التي فيها صرامة يمليها الانشغال الدائم بما يحقق مثوبة الله. ثم إنه إذا كان "الحلم" ركنًا أسياسيًا في علم الأخلاق عند المسلمين، فإنه يتضمن بصفة خاصة شرف النظرة التي تستبعد كل احتمال للاستسلام إلى الضحك والمزاح. وقد أوحى؛ الذي عانى منه المسلمون الأولون ورسل الله السابقون بنفور من السخرية التي هي إلى ذلك منهى عنها في القرآن (سورة الحجرات، الآية ١١)، بل من مجرد الضحك الذي هو في ذاته مستنكر. ذلك أن الله هو الذي يضحك ويبكى "وأنه هو أضحك وأبكى"(سورة النجم، الآية ٤٣)، ولسوف يبكى كثيرًا في الحياة الآخرة أولئك الذين ضحكوا في الحياة الدنيا قليلا "فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا جزاء بما كانوا يكسبون (سورة التوبة، الآية ٨٢) والضحك هو مسلك أعداء الله (سورة المؤمنون الآية ١١٠ - ١١٢؛ سورة الزخرف، الآية ٤٦؛ سورة النجم، الآية ٦٠؛ سورة المطففين، الآية ٢٩. على أن المؤمنين سيجزيهم الله في الدار الآخرة فنرى وجوههم مسفرة ضاحكة مستبشرة (سورة عبس، الآية ٣٨ - ٣٩).
والمسلم إذ يدرك شرف دينه وكرامته، وجدّية أفعاله هو مهما بلغ نصيبها من العادية ومراعاته التوسط في كل أمر، فإنه إن لم يجد نفسه لا يملك إلا البكاء مدرارا يحس بأنه يجب عليه أن يكون أساسًا شخصًا جادًا وأن يتجنب أي مسلك لا يتمشى مع السلبية التي عليها الحلم، وخاصة الضحك والمزاح. وقد وجد هذا الإحساس الذي يقوم على تفسير ضيق لأخلاقيات القرآن، مبررا آخر في بعض الأحاديث والأقوال المأثورة التي لم يغفل الكتاب المتأخرون بعض الشيء للكتب الأخلاقية ودوائر المعارف العامة جمعها في أبواب خاصة. وهكذا نجد الغزالى (الإحياء، الكتاب ٢٤) يصرح بأن المزاح منهى عنه مذموم، ويستشهد بأحاديث مختلفة تؤكد حكمه، ومع ذلك