فإنه يسمح بالمزحة المعتدلة. ويعقد الإبشيهى (المستطرف، حـ ٢، ص ٣٠٨) بعد الفصل المخصص لتحريم الخمر مباشرة فقرة للنهى عن المزاح، ولكنه لم يغفل عن أن يستشهد بالروايات المناسبة في إسهاب أكثر ويردد عددا من النوادر المضحكة.
والحق إن أنصار المزاح لم يعجزوا عن الإدلاء ببراهينهم، ذلك أن الأفكار الأساسية التي يمكن أن يستند إليها في تبرير الذم الكامل للمزاح تناقضها في الحق بعض، الأحاديث وأنظار حكماء المسلمين، ومن اليسير أن يلتمس السند عند النبي نفسه، فقد كان يمزح في مناسبات مخلتفة، وكذلك عند السلف الصالح الذين كانوا فيما يظهر يكادون لا يستمسكون بظاهر الأحكام القرآنية الناهية عن الضحك والمزاح، وسرعان ما اتخذ مَثَل ما انتهجه أئمة فقهاء المدينة سابقة، ولا يستطيع المرء أن ينسى للك الواقعة العجيبة. وإن كان من الممكن تفسيرها) من أيام القرن الأول الهجرى (الثامن الميلادي) التي حدثت في مكة والمدينة، وخاصة المدينة، وهي قيام مدرسة حقيقية من أصحاب الفكاهة كانت صنعتهم الإضحاك، وقد ساعدوا على إقامة النادرة ورفعها إلى مصاف القوالب الأدبية. ولم ينج العراق من آثار هذه الحركة، وإنما الأمر يقتضي المرء أن يقلب النظر في كتاب الفهرست (طبعة القاهرة، ص ٢٠١ وما بعدها، ٤٣٥) ليخرج بفكرة عن وفرة مجموعات النوادر سواء كان جامعوها معروفين أو مجهولين، أجل مجموعات النوادر التي كانت شائعة في عهد متقدم يرجع إلى أيام ابن النديم، ومن الراجح جدًّا أن أصحاب الفكاهة هؤلاء وزبائنهم من الطبقة الأرستقراطية -بقدر ما يكون لهم وجود تاريخي، ومن المعلوم أن بعضهم كان له وجود حقًّا- قلما كانت تزعجهم النواهى التي كان غيرهم يعدونها نواهى مطلقة. وقد اختفى معظم المجموعات التي من هذا القبيل والتي كانت على التحقيق عظيمة الشيوع مثلها مثل الكتابات الخيالية التي ظهرت وفرتها من كتاب الفهرست، والراجح أن السبب في اختفائها هو ردّة إلى التشدد والتطهر، ولكن بعضها استوعبته مجموعات أحدث، وقد حفظ الأدب مختارات منها تشهد بتذوق