للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القراء العرب للنادرة اللاذعة بله المفحشة التي تخدش الحياء وهو تذوق باق وإن لم يعترف به.

وبصرف النظر عن الناحية الأخلاقية بمعنى الكلمة للنادرة، فإن العنصر الفكاهى يثير حقًّا مشكلة أدبية، يبرز فيها الجاحظ للمرة الثانية في الميدان فيكون هو أول من حددها تحديدًا واضحًا. ذلك أن الجاحظ، وقد ورث تراثًا دينيًّا وأدبيًا قديمًا، صدمته النظرة المتشددة في غير موجب لبعض معاصريه، وقد انبرى من أول الأمر إلى تبرير الضحك الذي جعله مقترنًا بالحياة، وتبرير المزاح، مبرزا مزاياه ما دام لا يسرف، ومظهرًا أن الإسلام دين متحرر لا يفرض بأية حال التحفظ والتشدد، ومن هنا راح يحمل على الجمود الذي تنطوى عليه معظم الكتابات التي هي في رأيه مسرفة في التشدد، وقد اقترح إباحة القليل من الهزل حتى في أشد الأنظار تشددًا. وكان في بعض الأحيان لا يتردد عن قطع حجة دارسة ليستشهد ببعض النوادر على حساب التهوين من بقية كتابه، ولكنه نجح في مزج الجد بالهزل مزجًا منسجمًا في عديد من كتاباته، ومن بينها "كتاب التربيع والتدوير" الذي هو بلا جدال أكمل مثال على ما نقول. وصفوة القول أنه أراد أن يكون الأدب مثقفًا ومسليًا في آن. والظاهر أنه نجح بعض النجاح في هذا الباب، ذلك أنه قد قلده كثيرون في المشرق والمغرب. وذهب إلى أبعد من هذا فسبق من غير وعى منه الشعار الذي يقول بإصلاح العادات والسلوك بالسخرية منها، وكتب "كتاب البلغاء" الذي اتخذ فيه الضحك عنصرًا في خطة للتهذيب. على أن نجاحه في هذه الحالة مشكوك فيه أكثر، وابن الجوزي هو فيما يبدو الكاتب الآخر الوحيد الذي نجح على تفاوت حين حاول أن يتخذ الضحك بلا قيد لتحقيق مثل هذا الغرض (أخبار الحمقى والمغفلين، دمشق سنة ١٣٤٥ هـ، ص ٢ - ٣).

ونستطيع أن نقول بصفة عامة أن الكتابات الفكاهية بل الفكاهيات المسرحية المعاصرة (تسمى الكوميديات هزلية) لا ينظر إليها أبدًا إلا على اعتبار أنها لا تعدو أن تكون تحولا مقبولا بلا أي مغزى خلقى.