بعض النجاح في كبح جماح السلطة التي بلغها الجراكسة وذلك بلجوئه إلى تقوية عنصر الأتراك القفجاق في المجتمع العسكرى المملوكى، فلما توفى استرد الجراكسة سيادتهم ودعموها دون أن يقوم في وجههم أي تحد خطير حتى نهاية حكم المماليك.
وكان رأى كتاب العصر الجركسى بصفة عامة حسنًا جدًّا في الأتراك القفجاق، على حين نجدهم قد أغلظوا النقد للجراكسة، ونسبوا إليهم اضمحلال السلطنة وبؤسها. وخير مثال على هذا ما ذكره ابن تغرى بردى، فقد قال وهو يشير إلى طشتمر العلائى الذي تولى من قبل منصب "الدوادار" ثم تولى من بعد منصب "أتابك العساكر" وطرده الأمير بركه والأمير برقوق (السلطان من بعد): لقد كان عهد طشتمر زاهرًا وافر الميزات على السلطنة المملوكية بفضل إدارته الحكيمة، وسادت هذه الحالة حتى طرد من منصبه وألقى به في السجن وحل محله برقوق وبركة فأتيا من الأفعال في السلطنة ما قاسى منه السكان حتى اليوم، ثم أصبح برقوق الحاكم الأوحد، وقلب الأمور في الدولة رأسا على عقب، واستمر خلفاؤه في سياسته حتى اليوم. ذلك أنه قدم أبناء جنسه على غيرهم ومنح من ينتسب إليه من مماليكه (الأجلاب) إقطاعات واسعة ومناصب رفيعة وهم بعد قصر. وهذا هو السبب الأكبر في اضمحلال المملكة.
فأى شيء أخطر من تقديم القاصر على البالغ؟ ويخالف ذلك سنة من سلف من السلاطين، ذلك أنهم لم يعترفوا بتقدم جنس بعينه. فقد كانوا كما وجدوا شخصا أظهر حكمة وشجاعة قدموه وشملوه بالرعاية. وما من أحد كان ينال منصبا أو رتبة إلا إذا كان يستحقها (المنهل الصافى، جـ ٣، ورقة ١٨٥ ب، , ١٤ - ٢٣).
وهذه الأقوال- هي وغيرها التي من هذا القبيل- فيها عنصر جوهرى من الواقع، غير أنه يجب ألا نأخذها بظاهر قيمتها. صحيح أن الجراكسة ربما يكونون قد عجلوا باضمحلال المملكة.
إلا أن كثيرا من العوامل التي أدت إلى هذا الاضمحلال كانت واضحة كل الوضوح من قبل في العقود الأخيرة من حكم الأتراك القفجاق.