وإقليم الهضاب بأحواله هذه ليس صالحًا لأن يستعمره الأوربيون أو حتَّى لإقامة المحلات الوطنية، وهو إقليم صالح بصفة خاصة لتربية الماشية، وإن كانت قلة الماء تقف في سبيل تربيتها على نطاق واسع. على أن الأغنام تكيف حياتها على خير وجه بقدر الكلأ القليل في الفيافى. وقد ظلت هذه الهضاب التي تبلغ مساحتها ٤٢.٠٠٠ ميل مربع منذ أقدم العصور إلى الآن مسرحًا لظعن البدو مع قطعانهم.
٣ - الصحراء: وهي إقليم متميز من غيره من كل وجه، لا يقل اتساعًا عن بلاد الجزائر الأصلية، بل إن جزءًا كبيرًا من منطقة الصحراء قد فصل عن بلاد الجزائر وأصبح له نظامه الخاص وميزانيته المستقلة وفقًا لقانون ٦ ديسمبر سنة ١٩٠٢ الذي أنشئت بمقتضاه , "ولايات الجنوب".
(ب) تاريخها
وليس من الهين فصل تاريخ بلاد الجزائر الأصلية خلال القرون التسعة الأولى من هجرة النَّبيِّ (من القرن السابع إلى القرن السادس عشر الميلادي) عن تاريخ إفريقية الشمالية أو عن تاريخ الأندلس في بعض عهوده. وقد ظهر المسلمون في هذه البقاع أول ما ظهروا في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي عندما استقر الأمر لهم في إفريقية. ولا نعرف أخبار غزواتهم الأولى معرفة كاملة، وحسبنا هنا أن نذكر "عُقْبة" ما إن خط مدينة القيروان في العام الخمسين للهجرة (٦٧٠ م) حتَّى عمل على إدخال بربر المغرب في الإسلام. على أن منافسه أبا المهاجر قد أزاحه عن حكم إفريقية. ويقال إن أبا المهاجر أوغل في البلاد حتَّى بلغ تلمسَان وهزم حلف أوْرَبة، وأسر أميرهم كُسَيلة. وقال عقبة حظوة الخليفة مرَّة أخرى، فاستُعمل على إفريقية ثانية، وتقدم إلى المحيط الأطلسي، ولكنه لم يجرؤ على التوغل في أوراس أو الاستيلاء على المدن الساحلية، وكانت في يد الروم، على أنه بوغت في عودته وقُتل عند تهودة عام ٦٥ هـ الموافق ٨٦٥ م. وأفاد البربر من هذه الكارثة التي نزلت به، وحاولوا استعادة استقلاهم. إلَّا أن الحكم