للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الوطني الذي أسسه كسيلة لم يعمر طويلًا، وإن استمرت المقاومة في جبال أوراس تحت إمرة الكاهنة، واقتضى التغلب عليها خمس سنوات من الكفاح الشديد من جانب الأمير العربي حسَّان ابن النُّعمان الذي هزم أول الأمر وارتد إلى إقليم بَرقة؛ وفتحت في الوقت نفسه آخر محلات الروم، حتَّى إذا استهل القرن الثامن الميلادي كان السلطان العربي قد مد ظله على المغرب الأوسط جميعًا، ودخل اليهود والنصارى من البربر في الإسلام، وإن كان الفتح العربي لم يغير السكان تغييرًا تامًّا؛ وإنما أدخل إلى البلاد أرستقراطية حربية قليلة العدد بالقياس إلى غيرها، ونشر دينًا جديدًا. ولكن وجه البربر إلى السلطان العربي ضربة قاسية في النصف الأخير من القرن الثامن. ذلك أنهم انتقضوا على العمال لاشتطاطهم في معاملتهم وادعائهم حق فرض الخراج عليهم، كما كانوا يفعلون مع الكفار، وأحنقتهم كذلك عنجهية بعض أمراء العرب فأقبلوا على اعتناق مذاهب الخوارج التي جاءت من المشرق (١)، وهي تلائم فطرتهم الديموقراطية وتشبع رغبتهم في الثأر، فحملوا السلاح في وجه العرب، وبدأت الفتنة عام ١٢٣ هـ (٧٤٠ م) بجوار طنجة يحمل لواءها مَيسَرَة، ثم عمت ربوع المغرب، واستمرت إلى نهاية القرن الثامن، وبانتصارهم على القائد العربي كلثوم عند بَقْدورَة أصبح البربر سادة افريقية الصغرى جميعًا، وأخَّرت القلاقل التي صحبت ولاية العباسيين الحكم إخماد هذه الفتنة. وأنقذ الخليفة المنصورُ يزيدَ بن حاتم، فأعاد السلطان العربي إلى القيروان وإفريقية؛ ولكنه لم يبسطه على المغربين الأوسط والأقصى حيث قامت دويلات البربر، وأسس بنو يفرن- وكانوا على مذهب الصفرية- مملَكة تلمْسان، ونادى الإباضية بعبد الرحمن بن رستم إمامًا. فخط مدينة تَقْدمت (بالقرب من مدينة تاهرت الحالية) وكانت حاضرة دولة سرعان


(١) الحق أنَّهم رفعوا السلاح عندما رأوا تلك المعاملة السيئة فلما رأى الإباضية ما آل إليه أمر البربر وهم حديثو العهد بالإسلام خافوا أن يرتدوا فبادروا إليهم بالدعوة إلى الحق فأقبلوا عليه سراعًا.
أطفيش