اجتهد فى الاستنباط فالمراجع لم تذكر شيئا صريحا عن البلد الذى ولد فيه ابن منظور.
غير أن المعتمد من هذه المراجع -أعنى "أعيان العصر"، و"النكت" و"الفوات" و"الدرر" و"المنهل الصافى"و"البغية، تقول: "إنه خدم بديوان الإنشاء بمصر وولى قضاء طرابلس الغرب. ولعل هذه العبارة هى التى أوحت بهذا الاستنباط يرى فيها كل رأيه.
ولكنا إذا قرأنا لابن منظور مقدمة كتابه "نثار الأزهار" الذى اختصر فيه كتاب "فصل الخطاب فى مدارك الحواس الخمس لأولى الألباب "لشرف الدين أحمد بن يوسف التيفاشى نجده يقول: وكنت فى أيام الوالد -رحمه الله- أرى تردد الفضلاء اليه، وتهافت الأدباء عليه، ورأيت الشيخ شرف الدين أحمد بن يوسف بن أحمد التيفاشى العبسى فى جملتهم، وأنا فى سن الطفولة لا أدرى ما يقولونه، ولا أشاركهم فيما يلقونه، غير أنى كنت أسمعه يذكر للوالد كتابا صنفه أفنى فيه عمره، واستغرق دهره، وأنه سماه "فصل الخطاب فى مدارك الحواس الخمس لأولى الألباب" وأنه لم يجمع ما جمعه فيه كتاب ... وكنت شديد الشوق الى الوقوف عليه. وتوفى الوالد -رحمه الله- فى سنة خمس وأربعين وستمائة، وشغلت عن الكتاب. وتوفى شرف الدين التيفاشى بعده بمدة. فلقد كانت وفاة التيفاشى سنة ٦٥١. وابن منظور فى هذا الذى أورده يشير إلى مركز أبيه فى مصر، ويشير إلى مدة استقراره بها تلك المدة التى امتدت بعد أن ولى الإنشاء بمصر إلى أن مات.
وفى تلك المدة كان يختلف إليه التيفاشى وغيره. ونحن نعرف أن ابن منظور ولد سنة ٦٣٠ هـ وعرفنا من تصريحه هذا الذى مر بك أن أباه مات سنة ٦٤٥ هـ ومن هنا نفيد أن عمر ابن منظور كان يوم مات أبوه نحوا من خمسة عشر عاما، من هنا نستطيع إن نجد ما يفيد -دون قطع- أن ميلاد ابن منظور كان بمصر.
والذين يقولون إن مولده كان بطرابلس يذكرون اختلاف أبيه اليها