لولاية قضائها، ولا يجدون ما يدفع أن يكون ميلاد ابن منظور سبق مجئ الأب إلى مصر، فالأمر كما يحتمل الأولى يحتمل الثانية. ولكنا إلى الأولى نميل لهذا الذى ذكره ابن منظور عن طفولته.
وليس عندنا بعد هذا الكثير عن تنشئة ابن منظور، ولكنا نكاد نلمح شيئا فى تلك الكلمة التى قدم بها لكتابه "نثار الأزهار"، فلقد عرفنا بطفولته وأنها كانت طفولة مشغولة بالعلم والتحصيل، وعلى ما كان عليه الأب وكان عليه الجد نشأ ابن منظور، جذبته هذه الحركة العلمية التى صخب بها بيته منذ أن دب. ولقد كان فى ذا البيت قبل ابن منظور جده الأول نجيب الدين والد المكرم، وقد ذكر لنا هذا البيت، وحدثتك أنا حديث الأب أو بعضه وحسبه أنه كان يلقب. جلال الدين. وبعد هذا الذى ذكره ابن منظور عن تطلعه إلى التحصيل يذكر لنا الذين حدثونا عنه شيوخا له سمع منهم لا يكادون يختلفون فيهم، هم: ابن المقبر ومرتضى بن حاتم، وعبد الرحمن بن الطفيل، ويوسف بن المخيلى، والغريب أن ابن منظور لم يعرض لواحد منهم بتعريف أو إشارة، وهو يستطرد فى ثنايا المواد اللغوية. كما أنه لم يفسح لهم مكانا فى مقدمته التى قدم بها "اللسان"، والتى كانت تتسع لهذا دون غيرها من مقدمات أخرى كثيرة قدم بها كتبا اختصرها.
وابن منظور الذى أهمل شيوخه لم يهمله تلاميذه، فالمؤرخون لابن منظور يذكرون من بينهم السبكى والذهبى.
يقول الصفدى فى "أعيان العصر"و"النكت": وكتب عنه شيخنا شمس الدين الذهبى. ويزيد السيوطى واحدا آخر فيقول فى "البغية": وروى عنه السبكى والذهبى. وما من شك فى أن الذهبى أفرد لشيخه ابن منظور مكانا فى تاريخه، أشار إلى ذلك الصفدى فى "أعيان العصر" والسيوطى فى "البغية" وتكاد تكون نُقول المراجع جميعها عن الذهبى، على الرغم من إهمال بعضها الإشارة إلى ذلك. ونقرأ فى هذا الذى خص به الذهبى أستاذه الإنصاف له حين يقول عنه: تفرد فى العوالى وكان عارفا بالنحو واللغة والكتابة.