للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شعار الملك، ولقب نفسه بالمستعين بالله. ولكن شدته في الحكم أثارت عليه أهل مدينة الجزائر، فقتلوه غيلة في سبتمبر من العام نفسه. وظلت مدينة الجزائر من ذلك الوقت إلى استيلاء الترك عليها أشبه بجمهورية بلدية صغيرة يقوم عليها جماعة من أعيان المدينة، تحت حماية الثعالبة الذين اتخذوا هذه الحماية وسيلة لقضاء مصالحهم الشخصية. ولم تكن مدينة الجزائر البربرية (لخصنا تاريخها فيما سلف) في واقع الأمر إلاسوقا تجارْية متوسطة الحجم، وكان وقوع مينائها بجوار متيجة هو وحده الذي جعل لها شيئًا من الأهمية، ولم يكن يؤمها الملاحون المسلمون وحدهم، بل ظل يرتادها تجار النصارى ايضَا. فكانت أساطيل البندقية وفلورنسة- في القرن الخامس عشر- ترسو في هذا الثغر كل سنة (انظرح ri -: في كتابه "المعاهدات بين المسيحيين والعرب" Traites entre chretiens et Arabes المقدمة التاريخية، ص ٣٣٠، ٣٣٣). ولم يكن سكانها يتميزون بنبوغ عقلى، أو ذوق فنى، وقلما ظهر من بينهم أدباء، وفي ذلك يقول محمد العبدرى (عاش في النصف الثاني من القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادي) أنه لما بلغ الجزائر سأل: هل فيها علماء من ذوي الحجة، ولكنه وجد نفسه كالباحث عن فحل حصان عشار أو بيض الأنوق كما يقول المثل. ويجب أن نستثنى من هذا الحكم العام سيدى عبد الرحمن الثعالبى المرابطى، الذي اشتهر بولايته وتفقهه في الدين (٧٨٩ - ٨٧٣ هـ أي ١٣٨٧ - ١٤٦٨ م) وقد أصبح هذا الرجل التقى الورع، فيما بعد، ولى مدينة الجزائر وحاميها؛ ولا يزال الناس يعظمون ذكراه تعظيمًا كبيرًا، وكانت مساجد المدينة جميعًا مبانى قائمة عاطلة من الزينة، وصحونها غير منتظمة، تغطت سقوقها بالآجر الآحمر، ولايزال بعض هذه المساجد قائمًا إلى الآن. ومن هذه مسجد سيدى هدى، ومسجد سيدى رمضان، وأهمها كلها الجامع الكبير، الذي ورد ذكره في نقش يرجع إلى عام ٤٠٩ هـ (١٠١٨ م) وقد أنشأ فيه أبو تاشفين صاحب تلمسان منارة في عام ١٣٢٤.