الدينية (وأنه، من حيث المبدأ، الرجل الوحيد الجدير بأن يتولى الحكم شرعًا). بيد أنه كان يعقد حلقات الدرس في دائرة أوسع من الناس، وكانوا يستفتونه هو وغيره من الشيوخ. ويقال إن أبا حنيفة ومالك بن أنس وواصل ابن عطاء وغيرهم من الشخصيات البارزة قد رووا عنه الحديث. وبدأ الشيعة، في بواكير عهده، يتبوأون مكانًا مرموقًا في مجال الفقه، ولكن لا يمكن أن نقول على وجه التحقيق إلى اى حد يمكن أن تنسب مذاهب الأئمة الاثنا عشرية الإسماعيلية (أو الزيدية) التي تلت ذلك إلى تعاليمه، على الرغم من أن له دورًا قياديًا في مذهبى الاثنا عشرية والإسماعيلية.
وكان جعفر في الفترة التي نشبت فيها فتنة زيد سنة ١٢٢ هـ (٧٤٠ م) بمثابة رمز لهؤلاء الشيعة الذين لم أبوا أن ينتقضوا، وظل محايدا لم ثناء الفتن التي نشبت بعد وفاة الوليد سنة ١٢٦ هـ (٧٤٤ م) عندما توقع معظم الشيعة أن تصل الأسرة العلوية أخيرًا إلى الحكم. ولعل شيعة الكوفة قد طلبوا منه العون، وربما طلبوا منه ترشيح نفسه في عهد انتصار العباسيين، ولكن يبدو أنه تحاشى الاعتراف بترشيح أي شيعى آخر من غير شيعته، وكان إذا ما فكر في نفسه تمسك بمبدأ القعود، أي أن الإمام الحق ليس في حاجة لمحاولة الاستيلاء على السلطة إلا إذا كان الوقت مناسبًا، وحسبه أن يقوم بالتعليم. والتزم للمرة الثانية جانب الحياد في الفترة التي انتفض فيها الشيعى محمد النفس الزكية بالحجاز سنة ١٤٥ هـ (٧٦٢ م) , وتزعم لم نصار الحسين الذين لجأوا إلى السلبية في قضية الحسن الكبرى، فتركه المنصور يعيش في سلام. وقد اجتذب جعفر دائرة من المفكرين النابهين، معظمهم، مثل غالبية الشيعة، كانوا يعيشون عيشة عادية في الكوفة (وبعضهم في البصرة). وكان أبوالخطاب أكثر زعماء غلاة الشيعة المتقدمين إنتاجًا، ويبدو أنه كانت تربطه به صلات وثيقة، فنسبت بعض الآراء المتطرفة إلى جعفر نفسه (ولكن الأئمة الاثنا عشرية رفضوا هذه الآراء من بعد، وعدوها أفكارًا مدسوسة من أبي