الخطاب). ومهما يكن من شيء فإن جعفرًا أنكر على أبي الخطاب، قبل أن يقتل عام ١٣٨ هـ (٧٥٥ م)، قوله، وقرر أنه تجاوز الحدود. وقد أزعج هذا الرفض بعض أعوانه. ومن المحتمل، فيما يبدو، أن تكون بعض الآراء الشيعية المتطرفة قد عاونت على إضفاء صفة الجاذبية على إمامة جعفر في العراق، ومع ذلك أنه أصر على ألا تخرج عن الحدود. واشترك معه ومع ابنه فلاسفة يبزونه في التخصص، نذكر منهم بخاصة هشام بن الحكم ومحمد بن النعمان، الملقب باسم شيطان الطاق، الذي كان ينزع إلى منهج المشبِّهة، معارضًا به منهج المعتزلة الأوائل الذين جادلوه فيما يقول، ونسب إلى جعفر نفسه (وليس هناك ما يؤكد صحة ذلك) موقف إزاء مسألة القدر، يزعم أنه وسط بين الجبر والاختيار.
وتوفى جعفر عام ١٤٨ هـ (٧٦٥ م)، مات مسمومًا بناء على أوامر المنصور، كما تذهب إلى ذلك رواية الاثنا عشرية، وهي غير محتملة، ودفن في البقيع بالمدينة، وكان الناس، وبخاصة الشيعة، يزورون ضريحه إلى أن هدمه الوهابيون. وقد ترك أتباعًا متماسكين، وحياة عقلية نشطة تصلح لتكوين فرقة. بيد أن بعض نزعاته المتبانية، التي كان يدأب على محاولة التوفيق بينها، كانت فيما يبدو سببًا في أن تتعرض بعد لانشقاقات تاريخية بين آونة وأخرى بسبب النزاع على من يخلفه في الإمامة. وكان قد استخلف إسماعيل، وهو ابنه الأكبر من زوجة من أبناء على تسمى فاطمة، وهي حفيدة الحسن رضي الله عنه، غير أن إسماعيل توفى قبل أبيه، وهي حقيقة زعزعت إيمان بعض أتباع جعفر، وتمسك جمهور غفير بإمامة إسماعيل، وأصر البعض على أنه لم يمت بل استتر، ورأى البعض الآخر أن تنتقل الإمامة إلى ابنه محمد بن إسماعيل، وتكونت من هؤلاء نواة الإسماعيلية المتأخرين، ويعد جعفر عندهم الإمام الخامس. ومهما يكن من أمر فإن غالبية أتباع جعفر، ارتضوا عبد الله أخا إسماعيل لأمه، وأكبر الاحياء من الأبناء