المسائل الجغرافية ليبدأ إلا في الوقت الذي استقرت فيه الحضارة الإسلامية وتجمعت حول أول حاضرة ثقافية هامة لها ألا وهي بغداد. فقد أتيحت الفرصة أول ما أتيحت لتدوين المعلومات المخللفة المتصلة بالعالم المادى، وهي المعلومات التي اكتسبتها أجيال العرب المتقدمة ومن أسلم من أهل الممالك التي فتحها العرب.
وقد استقيت هذه المعلومات من موارد متعددة. فالأحوال الجغرافية لجزيرة العرب كما صورها الشعر العربي القديم كانت موردًا هامًا من هذه الموارد. ذلك أن هذا الشعر غنى بأعلام جغرافية كان البدو يدركون حقيقتها، فقد وعوا هذا الشعر عن ظهر قلب، وكانوا يتبينون طريقهم على الفور في بلادهم الواسعة باستذكارهم إحدى القصائد التي ورد بها اسم الموضع الذي يجدون أنفسهم فيه (Das: Buhl Leben Muhammeds ص ٦١).
وانتقلت هذه المعلومات الجغرافية المفصلة هي والرواية الشعرية القديمة إلى حضارة الإسلام الأكثر ثقافة. وكان لغويو القرن الثامن مثل الأصمعى من المتقصين لجغرافية بلاد العرب. واستمرت هذه الصلة بين اللغة والجغرافيا قائمة خلال القرون المتعاقبة، ولا تزال واضحة في المعاجم الجغرافية التي كتبت في القرون المتأخرة مثل (معجم البكرى) وهو كتاب قصد به مؤلفه إلى ضبط أسماء المواضع وغير ذلك من المعلومات الجغرافية الواردة في الشعر، وكتاب (الأمكنة) للزمخشرى، وكتاب (الأمكنة) لأبي الفتح نصر الإسكندرى (المتوفى عام ١١٦٥؛ انظر معجم البلدان لياقوت، جـ ١، ص ٨) ومعجم البلدان لياقوت ناهيك بالمؤلفات اللغوية المتأخرة مثل (تاج العروس) وهو يزودنا بكثير من المعلومات الجغرافية. على أن الجغرافيا العربية قد درسها في القرون المتقدمة علماء من طراز هشام أبي المنذر بن الكلبى المتوفى عام.٨٢٠ م دراسة أكثر استقلالا من ذي قبل، ويقول صاحب الفهرست (ص ٩٧) إن هشامًا كتب مالا يقل عن عشرة كتب في المسائل