كتاب المعتبر الذى يعالج هذا الموضوع هو الأول من نوعه، فيما نعلم الآن، الذى يجد المرء بين دفتيه القانون الأساسى للديناميكا الحديثة، وهو أن القوة الثابتة تولد حركة ذات سرعة.
والمذهب النفسى بخاصة، عند أبى البركات، هو الذى يوضح بأجلى بيان ما للركون إلى البديهيات من شأن فى فلسفته. فالواقع أن نقطة الانطلاق فى هذا المذهب هى وعى الإنسان بنفسه، وهذا الوعى موسوم بسمة اليقين، سابق لكل معرفة أخرى، ويكون هذا الوعى كائنا فيه وإن لم يشعر بالأشياء الحسية. وقد أفاد ابن سينا من هذه المعطيات الأولية التى وجد صعوبة كبيرة فى أن يكمل بها مذهبه فى النفس الذى يحمل طابع المشائين، أما أبو البركات فقد قادته هذه المعطيات إلى حقائق نفسية أخرى ثابتة وثيقة بحكم بديهيتها. مثال ذلك أن شعور الإنسان المحقق بأنه واحد وأنه هو نفسه، حين يرى ويسمع ويفكر ويتذكر أو يرغب أو يؤدى أى فعل نفسى آخر، كاف، فى رأى أبى البركات، لدحض النظريات المختلفة التى تقول بتعدد ملكات النفس. وثمة مثال آخر هو أن اليقين الذى يتأتى للمرء أثناء البصر إذ يدرك أن ما رأى هو نفس الذى أدركه، وأن هذا الشئ قائم فى نفس المكان الذى يقوم حقا فيه، وليس صورة موجودة فى المخ كما تذهب بعض المذاهب، هذا اليقين يثبت فى ذاته صحة الانطباعات التى يحققها، ومن هنا فإن المذهب النفسى الذى بين أيدينا يقوم، فى جزء منه، على مجموعة من البديهيات، تغلب عليها إلى حد ما فكرة الشعور (والشعور مصطلح يصطنعه ابن سينا لمدلول مشابه). وهو ينكر التفرقة التى يقررها المذهب الأرسطى بين العقل والنفس، والحق إن النفس، فى قول أبى البركات، هى التى تقوم بما يسمونه "التعقلات"، إذ ينقد أبو البركات هذه النظرة. وكذلك هو ينكر وجود العقل الفعال الذى يقول به المشاؤون.
ولعل بعض الآثار الأفلاطونية والأفلوطينية تظهر فى تعريف أبى البركات للنفس بأنها جوهر لا جسدى يفعل فى الجسد وبالجسد، وهذه الآثار