وكذلك نهج ابن الفقيه الهمذانى منهج ابن رسته، فرتب المادة الجغرافية في كتابه "البلدان"(كتب حوالي سنة ٢٩٠ هـ = ٩٠٣ م) على أساس إقليمى. فقد شغل وصف مكة مكان الصدارة بين الأماكن لأخرى، وجاء الترتيب العام لموضوعات مادته شبيهًا بترتيب الإصطخري وابن حوقل. وأدخل في كتابه رواية التاجر سليمان عن الهند والصين، ولكن السمة الخاصة التي يتسم بها هذا الكتاب، هي أنه يسجل، إلى جانب المعلومات الوثيقة ذات السند، مقطوعات طويلة من الشعر، وروايات مختلفة ومعلومات ذات طابع أسطورى. والكتاب مفيد في تناوله الجغرافيا العامة والرياضية.
أما أبو الحسن علي بن الحسين المسعودى المتوفى سنة ٣٤٥ هـ (٩٥٦ م) المؤرخ المشهور، فقد جمع بين صفات الرحالة الخبير والجغرافى النابه. ومن المؤسف أن وصفه لرحلاته (كتاب القضايا والتجارب) لم يصل إلينا، ولكننا نستطيع أن نخرج بفكرة تقريبية عن رحلاته من كتبه الباقية، وهي "مروج الذهب ومعادن الجوهر" و "التنبيه والأشراف" (الكتاب امعنون "أخبار الزمان"، إلخ طبعة عبد الله الصاوى، القاهرة سنة ١٩٣٨؛ ومخطوط مكتبة مولانا آزاد، الجامعة الإسلامية بعليكره [مجموعة قطب الدين، مخطوط رقم ٣٦/ ١] المعنون "عجائب الدنيا"، وفي خاتمة المخطوط "كتاب العجائب، قد نسبا خطأ للمسعودى وليس لهما آية صلة بالكتاب الكبير "كتاب أخبار الزمان" الذي فقد). وقد عد البيرونى الجغرافيا جزءًا من التاريخ، وهذا يفسر أن كتبه تتناول الجغرافيا مقدمة للتاريخ، وهو قد اعتمد على الكتابات الجغرافية المتقدمة عليه في اللغة العربية كما اعتمد على كتب الرحلات والكتب الخاصة بالبحر المعاصرة له؛ ودعم ذلك بمعلومات جمعها بنفسه أثناء أسفاره أو من أناس لقيهم. ولم يسق المسعودى أي بيان منهجى تخطيطى للإمبراطورية العباسية ولم يعرض لطرق المملكة ولا للمحطات البريدية، بل هو يزودنا بإلمامة بارعة للمعرفة العربية المعاصرة عن الجغرافيا الرياضية والطبيعية. على