للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن المأثرة الكبرى للمسعودى كانت في ميدان الجغرافيا البشرية والعامة. ذلك أنه ارتقى بالعلم الجغرافي بتحدى بعض النظريات والتصورات لجغرافى العرب وجد أنها لا أساس لها في ضوء تجربته الخاصة وملاحظته الخاصة. ولم يترد في أن يعرض على محك النقد نظريات أساطين الإغريق المعمّرة مكل نظريات بطلميوس، وشاهد ذلك نقده لقول هذا الإمام الإغريقى بوجود أرض في نصف الكرة الجنوبي. وقد نوه في ميدان الجغرافيا البشرية والطبيعية بأثر البيئة وغيرها من العوامل الجغرافية على أجسام وسلوك الحيوانات والنباتات والجنس البشرى. وتأثر المسعودى أيضًا بالمأثورات الجغرافية الإيرانية، مثل نظام الكشورات السبعة، جاعلا العراق أوسط الأقاليم وخيرها في العالم وقوله إن بغداد هي خير المدائن وما إلى ذلك.

وثمة جغرافي بارز في ذلك العصر كان أثره في النهوض بالجغرافيا العربية متنوعًا عميقًا مثلما كان أثر ابن خرداذبه، ونعنى به الوزير الساسانى أبا عبد الله محمد بن أحمد الجَيهانى (صدر القرن الرابع الهجرى الموافق القرن العاشر الميلادي). ومما يؤسف له أن مصنفه "المسالك والممالك" (ليس لمخطوط كابل آية صلة بكتاب الجيهانى الكبير؛ انظر A FaLse: V. Minorsky Djayhani في Bulletin of the School of , Oriental and African Studies جـ ١٣، سنة ١٩٤٩ - ١٩٥٠, ص ٨٩ - ٩٦) لم يصل إلينا. على أنه من المحتمل كثيرًا أن يكون الجيهانى قد أفاد من النسخة الأصلية لكتاب ابن خرداذبه "كتاب المسالك". وقد استطاع الجيهانى، بفضل كونه وزيرًا يكتب في بغداد "أن يوسع ميدان بحثه موغلا في آسيه الوسطى والشرق الأقصى أكثر مما أتيح لمعاصريه العرب" (Marvazi: Minorsky etc، ص ٦ - ٧، لندن سنة ١٩٤٢). وقد جمع معلومات مباشرة من مصادر مختلفة، ومن هنا جاءت أهمية كتابه. وقد أفادت طائفة كبيرة من الجغرافيين العرب المتأخرين من كتاب الجيهانى الذي يرى المسعودى فيه أنه هام لأن فيه أخبارًا عجيبة وقصصًا طريفة.