بفضل التوسع السياسي للمسلمين والقربى التي أحسّ بها كل واحد تجاه الآخر بصرف النظر عن القومية والجنس، وثانيًا بفضل الزيادة العجيبة في نواحى النشاط التجارى للتجار العرب. وقد عملت عوامل عدة في الحفز على الرحلة والارتياد مثال ذلك الحج إلى مكة، وغيرة البعوث على الدين، وإيفاد الوفود، والحملات الرسمية، والتجارة، وأخيرًا -وليس آخرًا- مهنة البَحَّارة.
وقد كان للعرب منذ أقدم الأزمنة شأن الوسطاء في التجارة بين الشرق (الهند والصين وغيرهما) والغرب (مصر، والشام ورومة وغيرها). فلما شيدت بغداد قصبة للإمبراطورية العباسية ونما ثغرا البصرة وسيراف، اتسعت رقعة مشاركة العرب الفعلية والشخصية آنئذ وامتدت إلى الصين في الشرق وسفالة على الساحل الشرقي لإفريقيا. وتعلم العرب فن الملاحة وامتلكوا ناصيته آخذين عن الفرس، وما وافى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) حتى أصبح ملاحو العرب على دراية تامة بالرياح الموسمية والتجارية، ولم تكتف سفنهم بالإبحار مسايرة للسواحل فحسب بل مضت مباشرة من جزيرة العرب إلى الهند. وأصبحوا على معرفة وثيقة بامتدادات البحر المختلفة ما بين الخليج الفارسى وبحر الصين الذي قسموه إلى سبعة أبحر مسمين كل قسم اسما خاصًّا. ثم إنهم أبحروا من عدن إلى شرقي إفريقيا حتى سفالة جنوبًا ومخروا بلا عائق عباب البحر الأحمر والبحر المتوسط والبحر الأسود وبحر الخزر كما أبحروا كذلك في عدد من الأنهار الصالحة للملاحة من بينها نهر النيل ونهر السند. صحيح أن سفنهم كانت صغيرة بالقياس إلى سفن الصينيين كما أن المحيط الهندى كان موبوءًا بالحيتان، إلا أنهم قاموا برحلات طويلة خطيرة في شجاعة وصلابة، وقد استعانوا بخرائط بحرية (رهنامات ودفاتر). ويسجل المسعودى (مروج الذهب، جـ ١، ص ٢٣٣ - ٢٣٤) أسماء عدد من ربابنة السفن الذين عرفهم كما سجل أسماء ملاحين مهرة خاضوا عباب المحيط الهندى. وكذلك سجل المقدسي (ص ١٠