يكون فيها شيء من الحقيقة التاريخية (المسعودى، جـ ١، ص ٢٥٨ - ٢٥٩). ولم يكن لعرب ذلك الزمان آية مأثرة جوهرية في سبيل الرقى بالمعرفة التي حصّلوها من اليونان. ومع ذلك فلا شك في أن معلوماتهم بخصوص بعض الأقطار -مثل شمالي إفريقيا وشرقيها، وغربى آسية، وآسية الوسطى وأقطار قليلة أخرى- كانت أوثق من الإغريق وأدق.
ويمكننا أن نردّ إلى عدة عوامل عدم ارتياد العرب للأقطار التي يجهلونها بما في ذلك الأقطار نفسها التي كانت لديهم عنها معرفة نظرية: أولًا أنهم كانوا إذا أرضوا الحافز التجارى لديهم فإنهم لم يكونوا يجاوزون ذلك؛ ثانيًا أن بعض الخواطر والأفكار المسبقة كانت تسيطر دائمًا على تفكيرهم وتصرفهم عن اتخاذ آية خطوة جريئة، مثال ذلك أنهم كانوا يرون المحيط الأطلسي هو بحر الظلمات والعين الحمئة. ولهذا السبب نفسه لم يبحروا موغلين في الجنوب بمحاذاة ساحل إفريقيا الشرقي، ذلك أنهم كانوا يرون أن البحر هناك حافل بالأمواج العالية التي يحدثها المد والجزر كما هو حافل بالاضطراب والهياج، ولو أن البيرونى قد اعتمد على بعض الشواهد التي كشف عنها في القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) ونعنى بها ما عثر عليه في البحر المتوسط من الواح سفن المحيط الهندى، فتصور أن المحيط الهندى متصل بالمحيط الأطلسي بمضايق جنوبي منابع النيل (البيرونى: صفة المعمورة، ص ٣ - ٤)؛ ثالثًا وأخيرًا أنهم خشوا أن يصادفوا قبائل أصلية ومتوحشة بجزائر الهند الشرقية فحال ذلك بينهم وبين التوغل في الإبحار شرقًا.
ومن أخبار رحلات ذلك العهد التي انتهت إلينا، خبر عن أقدمها. وقد نسبت هذه الرحلة إلى سليمان التاجر الذي قام بعدة رحلات إلى الهند والصين وكتب خواطره عن البلاد والشعوب التي زارها في "أخبار الصين والهند، (سنة ٢٣٥ = ٨٥٠ م). وهذا الكتاب شاهد على عناية شديدة علمية كان يتصف بها التجار العرب في تزويدهم قراءهم من الشعوب العربية لذلك العهد