السلطان في شيء من التردد، وأجرى عليه معاش شهرى قدر ٧٥ جنيهًا تركيًا وأنزل بيتًا جميلا على ربوة نشان طاش بالقرب من قصر يلدز السلطانى، وعاش فيه منعمًا كالأمراء يلقى أولئك الذين يلتمسون حديثه الملهم، وقد قضى في هذا البيت السنوات الخمس الأخيرة من حياته "ينعم بآيات من عطف عبد الحميد ورضاه، ويشقى بأحابيل لا تحصى من دسائس كانت تحيكها حوله بطانة السلطان، وكم سعى إلى الاستئذان في الرحيل فكان يرد دائمًا، وعاش في البيت الجميل الذي أفرد له وكأنما كان هذا البيت قفصًا من ذهب": وتلكم حاله بنشان طاش في يونيه سنة ١٨٩٦ كما وصفها زائر ألمانى، أما الدسائس التي انغمس فيها أعداؤه فيمكن معرفة كنهها من قول جمال الدين نفسه لزائر ألماني آخر:"كان الخديو الشاب عباس باشا قد وفد على استانبول لأول مرة وأراد أن يتعرف إليّ ولكنهم سعوا إلى الحيلولة بينه وبينى، ولا أدرى من قال حينئذ للخديو أننى جريت على الذهاب إلى المياه الحلوة عصر كل يوم، وحضر الخديو إليها، وكأنما ساقته المصادفة إلى ذلك، فأقبل نحوى وقدم نفسه إليّ وتحدثنا ربع ساعة، ونقل ذلك إلى السلطان، وقيل له إن لقاءنا الذي تم مصادفة كان مدبرًا من قبل، وزادوا على ذلك أننى قلت في حديثى مع الخديو إنه الخليفة الحق، ومع ذلك فلم يكن السلطان لتؤثر فيه آنئذ مثل هذه السعاية"، وازداد موقف جمال الدين حرجًا وبخاصة بعد قتل الشاه، ذلك أن خصومه في فارس أذاعوا في الناس أنه هو الذي كان يدبر من استانبول المؤامرة على الشاة، وأنه هو الذي دفع القاتل إلى هذه الفعلة، وكان من أنصاره المخلصين، ولم يكن السلطان ليرضى بتسليم جمال الدين إلى أعدائه، ومع ذلك فإن وشاياتهم به وتقولاتهم عليه أخذت تحدث أثرها شيئًا فشيئًا، وكان أبوالهدى أشد خصومه خطرًا وأوسعهم شهرة، كما كان في الوقت نفسه أعظم رجال الدين في البلاط نفوذًا وأعلاهم كلمة عند السلطان، ولما توفى جمال الدين في التاسع من مارس عام ١٨٩٧ إثر سرطان أصابه أولًا في ذقنه ثم جاوزها إلى سائر