للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحجاج أن يتزودوا قبل ذلك بالجمار، على أن بوركارت Rurckhardt بقول إنهم لا يكلفون أنفسهم هذا العناء لأنهم يستعملون الجمار التي رماها غيرهم. وكان رمى الجمار من الأغراض المحببة التي يقول شعراء الغزل من بنى أمية الشعر فيها، ذلك أن النساء كن إذا رمين الجمرات أزحن النقاب قليلا عن وجوههن (١) (انظر كتاب الأغانى، جـ ٦، ص ٣٠" ياقوت جـ ٤، ص ٢٤٧؛ الكامل للمبرد، طبعة Wright ص ١٦٦؛ س ١٣، ص ٣٧٠، س ٨ وما بعده).

ورمى الجمرات شعيرة لم يُنص عليها صراحة في القرآن، ولكنها ذكرت في سير النبي [- صلى الله عليه وسلم -] وفي الحديث (نظر ابن هشام ص ٩٧٠؛ الواقدي، طبعة فلهاوزن، ص ٤١٧، ٧٢٨ وما بعدها؛ ابن سعده جـ ٣، ص ١، ١٢٥، جـ ٨ ص ٢٢٤ وما بعدها) وقيل أنه في أيام الوثنية، كانت لدى الجمرات -كما في رواية ابن هشام- أنصاب مخضبة بالدماء تنحر عندها الأضاحي (٢) (ابن هشام، ص ٥٣٤، س ١٧ حيث يجب أن تكون القراءة الصحيحة في هذا الموضع هي مغرى كما يقول فلهاوزن) (٣). وانظر أيضًا ما جاء في قصيدة للفرزدق من ذكر للحجارة التي كانت تعبد في المحصب (ديوان الفرزدق، طبعة , Boucher، ص ٣٠).


(١) لا ندرى ما علاقة أبيات من شعر الغزل يقولها شاعر كمجنون ليلى أو عمر بن أبي ربيعة بشعيرة من شعائر العبادة في الحج، والشعراء يتخيلون فيقولون وقد لا يكون لما يتخيلون شيء من الواقع. ثم أن الكاتب يزعم "أن النساء كن إذا رمين الجمرات أزحن النقاب قليلا عن وجوههن" مع أن إحرام النساء في الحج إنما يكون بكشف الوجه، لا يجوز لها أن تغطى وجهها إلا لضرورة. على ما هو مفصل في كتب الشريعة.
(٢) ليس رمى الجمرات من آثار الوثنية كما يظن كاتب المادة. وإنما كانت شعائر الحج قديما في دين إبراهيم. وبقيت منه بقايا توارثها العرب ودخلها كثير من التحريف، وشابها ما شابها من أعمال الشرك والوثنية. فلما جاء الإسلام أعاد شعائر الحج عبادة خالصة لله وحده، والإسلام دين التوحيد، وكان رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] يحرص على أن لا يدخل على المسلمين في عملهم وقولهم واعتقادهم شيء من شائبة الإشراك بالله، حتى نهاهم عن اتخاذ القبور مساجد، حتى نهاهم عن دعاء غير الله وحتى جعل كل عمل لم يكن خالصًا لله وحده نوعا من الشرك، كما في الرياء مثلًا. فليس من المعقول أن يأمرهم بهذا ويعلمهم اياه، ثم يشرع لهم شعائر من بقايا الوثنية! !
(٣) أخطا فلهوزن فيما قرر من تصويب قراءة الكلمة، فإن عجز البيت الذي يشير إلى الله في سيرة ابن هشام * وأنصاب لدى الجمرات مغر * والقصيدة كلها مكسورة الراء، وقد فسر الكلمة أبو ذر الخشنى في شرح السيرة الذي نشره بولس بزونلة بالقاهرة (مطبعة هندية سنة ١٣٢٩ هـ) ج ١ ص ٢٠١: قال وقوله مغر: هو جمع أمغر، وهو الأحمر يريد أنها مطلية بالدم، ومنه اشتقاق المغرة بفتح الغين وسكونها، وهي التربة الحمراء". وليس في البيت إلا إشارة واحدة إلى ما كان في الجاهلية من أعمال وثنية أبطلها الإسلام.