للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على أن الحنفية والمالكية لا يتمسكون بهذا العدد، ولكنهم يقولون إن صلاة الجمعة إنما تقام في بلدة على شيء من اتساع الرقعة، أو بين جماعة ليست قليلة العدد.

ويصح أن نذهب إلى أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نفسه جرى على إقامة صلاة عامة وإلقاء خطبة على طريقة اليهود في فناء داره بالمدينة (١) في أيام الجمعة، ولعله قد جرى على إقامة الصلاة تتبعها الخطبة كما كانت عليه الحال لدى الجماعات المماثلة في الأزمنة السابقة له، إذ كانت الصلاة العامة تسبق أداء الأعمال الأخرى (٢). وبعد وفاة النبي [صلى الله عليه وسلم] درج الأمويون وعمالهم عند صلاة الجمعة في معسكرات المسلمين الكبرى على الظهور أمام الملأ- وعليهم الشارات التي تدل على مراتبهم- لإمامة المصلين. وقد كان من مألوف قبائل ذلك العهد القائمة برأسها أن تجتمع في مسجد خاص بها أقيم في مضرب، ولكن الأمويين عملوا على لم شملهم في مسجد واحد. ولعل النهي عن صلاة الجمعة خارج المدينة وإقامتها في أكثر من مسجد يرجع إلى ذلك العهد (٣).

وازداد تأثر خطب الجمعة في العهد الأموى المتأخر بالطقوس النصرانية. فأذان الجمعة الذي يلقى في المسجد


(١) لماذ يأخذ هذا عن اليهود؟ كل ما جاء في الشريعة الإسلامية ينظر إليه أمثال هذا الكاتب نظرة عجيبة، إن وافق شيئًا مما يعمل في الأديان الأخرى كان في نظرهم مأخوذا عنها، وكان محل نقد لذلك! ! وإن لم يوافق شيئًا مما يعمل في الأديان الأخرى كان شاذا، وكان محل نقد لذلك! فمتى ينظرون إلى الإسلام نظرهم إلي دين خاص مستقل بنفسه؟ ! ثم إن النبي لم يكن لداره فناه. بل كانت بيوته حول المسجد، وكان يصلى في المسجد الجمعة والصلوات كلها، فتعبير الكاتب غير دقيق. بل غير مطابق للواقع.
(٢) هذا شيء غير صحيح، ولا أصل له في الشريعة ولا في كتب السنة ولا في غيرها. بل المعروف المتواتر نقلا في الأحاديث والمتواتر عملا بين المسلمين من أول الإسلام إلي الآن أن صلاة الجمعة تبدأ بخطبتين يجلس بينهما الخطيب جلسة خفيفة، ثم يصلى ركعتين ثم ينصرف الناس. فلم نعرف قط أن النبي بدأ بصلاة الجمعة قبل الخطبة، ولم نسمع به قط قبل أن نقرأه في كلام هذا الكاتب، وهو يرمى بالظن من غير دليل ولا شبه دليل.
(٣) هذا غير صحيح أيضًا. بل كانت مساجد القبائل للصلوات اليومية، والمسجد الجامع، أي المسجد الأكبر في البلدة هو الذي يجمع الناس كلهم في صلاة الجمعة. حتى إذا اتسعت المدن وتفرقت القلوب تعددت الجمعات في المساجد، تبعا لذلك.
أحمد محمد شاكر