ووافقت عائشة على الانضمام إلى هذه الحملة، وقدِّر لها أن تثير الجماهير لأن طلحة والزبير لم يكونا فيما يظهر مؤهلين كل التأهيل للقيام بهذا الدور، ذلك أنهما لم يكونا قد أمعنا في إثارة الرأى العام على عثمان حتى أصبح من الممكن اتهامهما بقتل عثمان، بل هما قد بايعا عليا أيضًا بعد انتخابه خليفة مباشرة. ومن ثم فإنهما بانتفاضهما عليه كان ينقضان عهدهما فيقتضيهما الأمر أن يدعيا تبريرًا لموقفهما أنهما كانا قد أجبرا إجبارًا على مبايعته. وكانت حفصة بنت عمر قد همت أول الأمر أن تتبع المفتتنين، ولكن أخاها عبد الله أقنعها بالعدول عن ذلك. وجمع الثوار عدة مئات من الرجال بمطياتهم (٦٠٠ أو ٧٠٠؟ ) خرجوا للقتال. وسمع على بذلك فأدرك أن الأمر يقتضيه التحرك حتى لا ينعزل في المدينة وجيش في بطء ومشقة جيشًا من سبعمائة مقاتل ثم خرج هو أيضًا للقتال (كان ذلك في رواية الطبري ج ١، ص ٣١٣٩، في آخر يوم من ربيع الثاني)، وكان غرضه أن يقطع الطريق على المتمردين، ولكنه لم ينجح في بلوغهم، وعلم وهو في الربذة أنهم كانوا قد مروا بالفعل من هذه المحطة، وأحس هو الآخر بحاجته إلى المال والجنود، فسار مرة اخرى في اتجاه العراق، وكان المتمردون في هذه الأثناء يهرعون إلى البصرة، فلما بلغوا مكانًا يعرف باسم "الحوأب" نبحت الكلاب على الجند وأوشكت عائشة أن تتخلى عن هذه المغامرة، ذلك أنها تذكرت ضربا من النذير كان قد أوجس به النبي [صلى الله عليه وسلم]، ولكن المتمردين أقسموا لها بأن هذا المكان ليس هو الحوأب، فلما إطمأن بالها مضت في سبيلها (ياقوت: المعجم ج ٢، ص ٣٥٢ وما بعدها). وهذه الرواية جديرة بالذكر لا لشئ إلا أن المصادر تعلق عليها أهمية. فلما بلغ المنتفضون أرباض البصرة دخل زعماؤهم في مفاوضات وبدءوا يدعون لقضيتهم. وقد بعثت عائشة بمبعوث ورسائل إلى بعض وجهاء البصرة، محاولة إقناع البصريين بالانضمام إلى الفتنة التي كان غرضها -كما قالت- "الإصلاح". وكانت هذه الكلمة تتضمن عند المنتفضين عودة الشريعة