الواقعة التي كانت أشد الوقائع خطورة هي اقتحام الثائرين بيت المال، فقد قتلوا أو أسروا (ثم قطعوا من بعد رؤوس) حراسه الذين كانوا من الزط والسيابجة؛ ولم يكتف المهاجمون بذلك بل أجبروا عثمان بن حنيف أن يترك قصر الولاية ونزعوا شعره ونتفوا لحيته. واستطاع عثمان أن يخلص نفسه وينضم إلى على بتهديدهم بالانتقام من أسرهم في المدينة، حيث كان أخوه سهل يلي أمرها وإنا لنتساءل من كان المعتدون في هذه المعارك والملاحم؟ تمتدح بعض الروايات اعتدال الثوار (يقال إن عائشة منعت رجالها من استخدام أيديهم إلا في الدفاع عن أنفسهم) ولكن من الواضح أنهم كانوا هم المهاجمين لحاجتهم إلى المؤن والمال، وخوفهم من أن يقعوا من بعد بين قوات على المتقدمة وقوات الوالى. ولما أحتل الثوار البصرة أذاعوا في الناس أمرًا، بتسليم كل من اشتركوا في حصار دار عثمان، ويعرفون في المصادر باسم "النُفار" النُفار وأطاع الناس وقتل هؤلاء وكان عددهم فيما يقال ستمائة رجل (ولم يستطع النجاة إلا حرقوص بان زهير لأن قبيلته حمته). وقد غضب بعض سكان البصرة من قيام هذه المذبحة وتوزيع طلحة والزبير الهدايا والأرزاق على أنصارهما، فخرج منهم ثلاثة آلاف لينضموا إلى على في ذي قار، ومنهم بنو عبد القيس. على أن قبيلة تميم، أهم قبيلة في البصرة، ظلت على الحياد هي وزعيمها الأحنف بن قيس.
وبينما هذه الحوادث تقع (يقال إن ذلك التجاذب مع الوالى دام ستة وعشرين يوما) كان على قد سار حتى بلغ ذا قار، ذلك أنه لم يتقدم نحو البصرة، بل آثر أن يتصل بالكوفة ليجتذب أهلها إلى قضيته. ومن سوء الحظ أن واليها أبا موسى الأشعرى- بالرغم من قوله بأن بيعة على صحيحة - قد حث الكوفيين على التزام موقف الحياد في الفتنة المقبلة حتى أن رسل على إلى الكوفة (الأشتر، وابن عباس، والحسن، وعمار بن ياسر) اضطروا إلى بذل مجهود شاق لإقناع فريق من السكان (ستة آلاف أو سبعة أو ١٢ ألف رجل؟ ) بالخروج من الكوفة للانضمام إليه وأقيل أبو موسى من