منصبه، وبلغ على أخيرا أرباض البصرة وبدأت المفاوضات بينه وبين المفتتنين، صحيح أنه ما من أحد إلا كان مقتنعا بأن الاتفاق بات قريبا، إلا أن القتال نشب بين جيشى الطرفين وهنا تثور المسألة المعهودة: من الذي بدأ القتال؟ تقول بعض الروايات إن عليا أمر رجاله بألا يهجموا وأنه إنما أحس بأن الواجب يقتضيه قتال خصومه "أهل القبلة"(انظر الأغانى، ج ١٦، ص ٣٢، المسعودى: مروج الذهب، ج ٤، ص ٣١٤ وما بعدها إلخ) عندما قتل بعض أنصاره، ولكن الطبري (ج ١، ص ٣١٨١ - ٣١٨٣) يروى رواية أخرى توضح لم بدأت المعركة وكيف بدأت: يقال إن عليا أبدى عزمه بألا يحمى أولئك الذين تورطوا في مقتل عثمان، ويقال إن هؤلاء كانوا حريصين على مصيرهم فأثاروا القتال بهجمة مفاجئة لم يعلم بها على. ودارت المعركة من الصباح إلى المغرب (يقول الكتاب المنحول لابن قتيبة القاهرة سنة ١٣٧٧ هـ، ص ٧٧ إنها دامت سبعة أيام) وتختلف المصادر في يوم وقوع المعركة، وأشيع الأيام المذكورة هو ١٠ من جمادى الآخرة سنة ٣٦ (٤ ديسمبر سنة ٦٥٦)، ولكن كيتانى (حوادث سنة ٣٦ هـ فقرة ٢٠٠) يؤثر يوم ١٥ جمادى الآخرة (٩ ديسمبر).
ومن العجيب أن المقاتلين كانوا في كثير من الأحوال ينتمون إلى قبائل واحدة. وعشائر واحدة، وإلى أسر واحدة أحيانا، ومع ذلك فقد قاتلوا بعضهم بعضا غير مبالين بصلة الرحم التي تربطهم. وقد شهدت عائشة القتال على جمل في هودج من دفوف الخشب قد ألبسوه المسوح وجلود البقر وجعلوا دونه اللبود قد غشى على ذلك بالدروع، ولم تصب عائشة، وكل مانالها خدش أصاب ذراعها. واحتدم القتال احتداما شديدا حولها، وكان المدافعون عنها يتعاقبون واحدا بعد واحد يرتجزون، وكان الذين يسقطون يسلمون خطام الجمل لغيرهم من المقاتلين، وقتل منهم كثيرون (تختلف الأرقام التي ذكرت عددهم بين ٤٠ و ٢٧٠٠ نقاتل). وكان النصر لعلى حين نجح جنوده في عرقبة الجمل حتى أوقعوا الدابة على جانبها وعليها حملها النفيس. ولكن المعركة كان قد خسرها المفتتنون حتى