قبل هذه المرحلة، إذ أصاب سهم طلحة، وتقول مصادر كثيرة إن الذي رماه به هو مروان بن الحكم فلجأ إلى دار وافاه أجله فيها، أما الزبير الذي كان قد أصبح بعد غير واثق من فوائد قضيته واحتمالاتها فقد انسحب من ميدان القتال بعد حديث دار بينه وبين على الذي ذكره بواقعة حصلت في الماضي، وببعض أحاديث رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، وقد تعقَّب بعض بنى تميم الزبير وقتلوه غدرًا، في مكان منعزل (وادي السباع). وقد اشتبه في أن يكون الأحنف بن قيس هو المحرض على هذا القتل (انظر عن مقتل الزبير أيضًا: ابن زيدون: شرح قصيدة ابن عبدون، طبعة دوزى، ليدن سنة ١٩٤٨، ص ١٥٠ - ١٥٤).
وتتحدث المصادر عن حشد من الوقائع تتعلق بالمبارزات، وشجاعة المتبارزين، والأشعار التي قالوها، ولكنها لا تفسر تطور المعركة من الناحية التكتيكية. والصورة العامة التي نخرج بها من هذا الحشد من التفصيلات هي أن المعركة كانت على مألوف العرب. سلسلة من المبارزات والقتال على طول صفوف الطرفين المتحاربين، ولكنها لم تكن قتالا عاما. وكان أحرَّ القتال بلا شك هو الذي دار حول الجمل. ومن المستحيل إحصاء عدد المقاتلين والخسائر التي أصابتهم لعظم الاختلاف بين الأرقام التي ذكرت (فهي تتراوح بالنسبة للصرعى بين ٦.٠٠٠ و ٣٠.٠٠٠ قتيل، وفي هذا الرقم الأخير مبالغة كبيرة، ذلك أن قوات على وحدها بما فيها من تبعه من المدينة، ومن انضم إليه من بعد لا يكادون يزيدون جميعا على ١٥٠٠٠ مقاتل). وأسرت عائشة، ولكنها لم يسأ إليها بحال بل عوملت باحترام كبير. على أن عليا قرر أن تعود إلى المدينة ولم يقبل في ذلك آية مراجعة، ومنح الأمان لجميع المتمردين واستطاع بعض من آثروا الحل الوسط (مروان بن الحكم مثلًا) أن ينضموا إلى معاوية في الشام. والأمر الذي أحدث ضجة بين أنصار على، هو إباؤه أن يسمح لهم بسبى نساء الأسرى وأطفالهم أو الاستيلاء على غنائمهم إلا ما وجدوه في ميدان القتال (الطبري، ج ١، ص ٣٢٢٧؛ المسعودى: مروج الذهب، ج ٤، ص ٣١٦ وما بعدها إلخ)، وتساءلوا: لم