المدينة بفضل شجاعة زيرى بن مناد الصنهاجى الذي كان تحت قيادته. وأسر واليها الأموى أحمد بن أبي بكر الجذامى ومات هذا الوالى في السجن. وهذا النصر الكبير أخضع جميع المغرب الأقصى (فيما عدا طنجة وسبتة) لسلطان الفاطميين أمدا وجيزا، بل إن آخر الأدارسة؛ الحسن بن حنون الذي قنع بإمارة صغيرة حول مدينة البصرة في ظل الأمويين، قدم ولاءه للفاتح وأراد جوهر أن يقدم للمعز دليلا محسوسا على انتصاره فأرسل إليه بعض السمك الحى المصيد من المحيط الأطلسي في جرار ضخمة مملوءة بالماء. وعاد جوهر بعد بضعة أشهر ظافرًا إلى القيروان وفي ركابه أسرى وغنائم نفيسة.
وقد فتحت هذه الانتصارات التي أحرزها جوهر عيون مولاه المعز فأدرك مواهبه. على أنه حدث سنة ٣٥٨ هـ (٩٦٨ - ٩٦٩ م) أن عاد جوهر إلى تقدم الصفوف مرة أخرى قائدًا اختاره المعز لقيادة الحملة على مصر. وقد بلغ من ثقة المعز فيه إنه قال فيما روى عنه:"والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر ولتدخلن إلى مصر بالأردية من غير حرب ولتنزلن في خرابات ابن طولون وتبنى مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا"(الخطط، ج ١، ص ٣٧٨) وأراد الخليفة المعز أن يسبغ على جوهر آيات الشرف فخلع عليه قبل رحيله جميع ثيابه الملكية ولباسه إلا خاتمه وملابسه الداخلية، وأمر كل الولاة في طريقهم إلى القاهرة أن يلقوه راجلين وأن يقبلوا يده. وقد رضي والى برقة أفلح الناشب أن يؤدى ١٠٠.٠٠٠ دينار إذا أعفى من هذا الإذلال لكرامته، ولكن الخليفة أبي عليه ذلك.
ولم تخب آمال المعز، ذلك أن جوهر استطاع في أربعة أشهر أن يحقق فتح مصر. فقد ترك القيروان في ربيع الثاني من سنة ٣٥٨ هـ (فبراير سنة ٩٦٩ م) وما وافى منتصف شعبان من السنة نفسها (١ يولية سنة ٩٦٩) حتى كان قد سيطر على الفسطاط بعد قتال يسير قرب الجيزة وقع في ١١ شعبان (٣٠ يونية). وعرف جوهر كيف يستميل المصريين ويستحوذ على ثقتهم