في نظام الحكم الجديد بإعلان طويل ضخم قرئ على الناس وبإقامة جعفر ابن الفرات وزيرًا. على أنه احتاط فلم يسكن الفسطاط، بل قضى ليلته الأولى بعد انتصاره في معسكره إلى الشمال منها. وفي اليوم التالي وضع أساس القصبة الجديدة القاهرة التي قدر لها أن تكون أكبر المدائن الإسلامية بعد بغداد. وبعد ذلك بسنة (٢٤ جمادى الأولى سنة ٣٥٩ = ٤ إبريل سنة ٩٧٠) أقام المسجد الأزهر المشهور.
أما وقد أقام جوهر في مصر الحكم الفاطمى، فإنه ظل دون سواه واليًا عليها أكثر من أربع سنوات. ولم يدخل المعز القاهرة إلا في ١٧ من المحرم سنة ٣٦٤ (٧ أكتوبر سنة ٩٧٤)، ثم طرد جوهر بعد ذلك بقليل.
وفي هذه السنوات الأربع أظهر جوهر مقدرة مشهودة وبعد نظر في توليه الحكم. فقد استطاع علاوة على اكتسابه محبة الناس أن ينظم مالية الدولة التي كانت في حالة اضطراب كامل في السنوات الأخيرة من عهد الأخشيديين. وكان من المعروف أن مصر كانت منذ أيام معاوية تدر دخلًا حوالي أربعة ملايين دينار إذا أحسن حكمها، فرفع جوهر دخلها إلى ٣.٤٠٠.٠٠٠ دينار في السنة الأولى من ولايته لها، وكان هذا الدخل أكبر دخل حققته مصر في العهد الفاطمى، واستطاع الوزير القدير اليازورى بعد ذلك بخمسة وثمانين عامًا أن يحقق دخلًا قدره ٨٠٠.٠٠٠ دينار فحسب. وكان جوهر أكثر ثقة بالمغاربة الذين قدموا معه منه بالمصريين، فولاهم جميع المناصب الهامة تقريبًا، ولعله كان يتبع في ذلك أوامر المعز.
ونجد جوهر- إلى جانب ما فعله في حكم هذه الولاية الجديدة- قد واجه خطر القرامطة المحيق، ذلك أن هؤلاء استطاعوا في ذي الحجة من سنة ٣٥٨ (سبتمبر سنة ٩٦٩) أن يهزموا ويأسروا نائبه على دمشق جعفر بن الفلاح الذي كان قد وكل إليه فتح فلسطين والشام، وتمكن جوهر في قتاله القرامطة وحلفائهم، من أن يضم الحجاز إلى حكم الفاطميين. وما وافى عام ٣٦٦ هـ (٩٧٦) حتى كانت لهم الخطبة في مكة والمدينة.