وأبو حنيفة نفسه لم يضع تصنيفا ما فى الفقه، ولكنه ناقش تلاميذه آراءه وأملاها عليهم. وبعض مصنفات تلامدذه هؤلاء هى من ثم الأصول المعتمدة للمذهب الحنفى، وخاصة كتاب:"اختلاف أبى حنيفة وابن أبى ليلى"، و"الرد على سير الأوزاعى" لأبى يوسف، و"الحجج"، وشرح موطأ مالك للشيبانى، (والإسناد المعول عليه: الشيبانى، عن أبى يوسف، عن أبى حنيفة، الذى تردد فى كثير من أعمال الشيبانى دالا على أنه يمثل وحدة الصلة العامة بين التلميذ وشيخه، ليس يعنى شيئا فى هذا الخصوص) إذ أن القول بأن أبا حنيفة تلقى عن حماد يرجع أساسا إلى آثار أبى يوسف وآثار الشيبانى، وإن الموازنة بين خلف أبى حنيفة وبين سلفه تمكننا من أن نقدر ما حققه فى تطوير الفكر الإسلامى فقها وعقيدة.
والفكر الفقهى لأبى حنيفة أرقى كثيرا من هذا الذى كان لمعاصره ابن أبى ليلى (المتوفى سنة ١٤٨ هـ) الذى كان يلى قضاء الكوفة فى زمانه.
أما عنه وعن التفكير الفقهى المعاصر فى الكوفة بصفة عامة فإن أبا حنيفة كان له فيما يظهر شأن الواضع لأسس النظرية التى حققت تقدما كبيرا فى الفكر الفقهى الاصطلاحى. وبعده عن القضاء جعله أقل تقيدا من ابن أبى ليلى بمقتضيات التطبيق، كما كان فى الوقت نفسه أقل تثبتا لبعده عن الاسترشاد بما يفيده من يمارس القضاء، . ومذهب أبى حنيفة بصفة عامة مذهب متكامل متسق من حيث منهجه، وفيه الكثير جدا من الأفكار الفقهية الجديدة الصريحة حتى إن جزءا كبيرا منها قد وجدت فيه مآخذ أنكرها تلامذته، ولا يتميز فكره الفقهى بأنه كان أوسع أفقا فى أساسه من فكر معاصريه الأكبر منه سنا، وأكثر أخذا به من فكرهم فحسب، بل كان أيضا أرقى اصطلاحا فى إحكامه وتحوطه ولطف نظرته.
والطابع الغالب على الفكر الفقهى بصفة عامة عند أبى حنيفة هو الإنعام