للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لموقفهم ممن غزيت أرضهم فإنهم كانوا لا يعدون أنفسهم من أول الأمر قوما غزاة بمعنى الكلمة بل يعدون أنفسهم أقرب إلى جيش فاتح. وكانوا متفوقين على أعدائهم بفضل سرعة تحركهم واعتيادهم الحياة الخشنة واتصافهم بحماسة منذورة يدعمها رغبة في الغنيمة ويعززها النصر، ومع ذلك فقد ظلت أسلحتهم بدائية، وكذلك كان نجاحهم يرجع في الأكثر إلى ضعف الإمبراطوريات التي يقاتلونها وعدم ولاء الشعوب التي تتكون منها هذه الإمبراطوريات واستعانتها في التجنيد بجنود مرتزقة وربما كنا ننأى عن دواعى الحرص إذا حاولنا تقدير عدد القوة العاملة التي كان في مقدور العرب فعلا أن يعبئوها للحرب: وربما كان هذا العدد يبلغ حوالى خمسين ألفا تحت إمرة عمر، وضعف هذا العدد أيام أكبر توسع حققته الإمبراطورية الأموية.

ولم يكن الجنود العرب يرابطون في محلات الأهالى مع استثناء الشام إلى حد ما، بل كانوا يرابطون في معسكرات أصبحت في النهاية مدنا جديدة هى الأمصار، وهكذا ظهرت إلى حيز الوجود البصرة والكوفة في العراق، والفسطاط في مصر، والقيروان بعد ذلك بمدة في إفريقية وهلم جرا. وكان تنظيم هؤلاء الجنود توفيقًا بين الحاجات الجديدة والتراث القبلى، ذلك أن الجيش بأسره كان مزاجا من رجال من قبائل مختلفة، وكان الجنود في الأصل ليس لهم من دخل إلا نصيبهم من غنائم النصر، وسرعان ما غدا هذا النصيب كبيرا، وكانت تحكمه القواعد المتصلة بالغنيمة ولما ضمت أراض شاسعة إلى الغنائم التي ظفر بها في ميدان القتال، قام خلاف في المصالح بين أولئك الذين كانوا يميلون إلى أن يروا هذه الأراضى مقسمة كلها وأولئك الذين كانوا يلوذون بالخلافة النامية السلطان ووفقوا إلى فرض مبدأ هو أن الأراضى المفتوحة ملك للجماعة الإسلامية كلها في حالها ومستقبلها، وقد كان معنى هذا في الواقع أن يسمح للمالكين الأصلاء للأرض بأن يحتفظوا بها نظير أداء ضرائب، وقد أدى ذلك بدوره إلى توفير