المال للأداء المنتظم لرواتب الجند، وفى الشام، ثم في الغرب الإسلامى من بعد، ظهر تنظيم الجند العسكرى الإقليمى التعاونى وهو تنظيم لم يظهر له نظير دقيق قط في أراضى الفتوح المترامية الأطراف في المشرق (العراق وإيران).
ومن نافلة القول أن نذكر أن هذا الجيش الأول البدائى كان كله من العرب المسلمين وفى الولايات البوزنطية السابقة كان هذا على كل حال يسير التحقيق كل اليسر، ذلك أن السكان الأصليين كانوا قد نسوا منذ أمد طويل عادة امتهان مهنة القتال، ومع ذلك فما أسرع ما بدأ القواد العرب يجيئون معهم بمواليهم، على حين نجد أن أقوامًا أخرى نزاعة إلى القتال من سكان الحدود (في آسية الوسطى، وشمال إيران وأرمينية وفى أمانوس السورية) كانوا - من غير أن يسلموا - يلحقون بالحملات الحربية الإسلامية جنود احتياط معفين من الضرائب. وإنما حدث بعد ذلك بأمد وجيز أن أصبح البربر هم أغلبية الجيش الذي خرج لفتح الأندلس.
ولم يمض وقت طويل حتى ألفت كتيبة خاصة باسم "الشرطة"، وكانت وثيقة الارتباط بالخليفة أو الوالى، وتعنى - أولا وقبل كل شئ - بحفظ النظام الداخلى أكثر من عنايتها بالحرب، وأصبحت هذه الكتيبة - شيئًا فشيئًا - ضربا من الشرطة بمفهومها الحديث.
وعدلت أحوال النظام العسكرى تعديلًا كبيرًا منذ أيام الأمويين. فقد أصبحت الحرب لا تجر من الغنائم ما كانت تجره من قبل، لازدياد المقاومة وطول خطوط المواصلات: وقد أدى ذلك إلى أن الرواتب - التي لم تكن مرتفعة - قد أصبحت أنئذ هى المورد الوحيد للجنود، إن لم تكن المورد الوحيد أيضًا للقواد، ومن ثم أصبح هؤلاء يطالبون دائمًا بالزيادة. ثم إنه ظهرت فُرقة جديدة بين جنود الاحتياط - المرابطين في البصرة والكوفة وغيرهما - الذين أخذوا يعيشون حياة مدنية تزداد صفتها هذه بمرور الأيام، وبين جنود التخوم الذين لم يعودوا إلى ديارهم وإنما استمروا يعيشون على حدود