كل البعد من مناطق النشاط الحربى - وكانوا قبل كل شئ - السبب في قيام الفتن، وهم الذين عمد الخليفة المعتصم - لهذا السبب - إلى أن يمحوا أسماءهم في مصر من سجلات الديوان؛ وفئة جنود التخوم الذين لم يكن في الإمكان تسريحهم على هذا النحو، وإنما هم ينظمون أنفسهم على مقتضى العالم الجديد المستقل استقلالا ذاتيا، عالم "الغزاة" و"المرابطين" الذين يقطعون حبل صلتهم بالجيش النظامى الأساسى. وكانت نتيجة ذلك - من الناحية الاجتماعية - أن العرب لم يصبحوا في أغلب الأحوال هم منشأ طبقة الأشراف، وكانوا يعدون أنفسهم من المحظوظين إذا هم لم يرتدوا إلى الحياة البدوية التعيسة.
وأيًا كان أفراد الجيش النظامى، فإن هذا الجيش كان يتميز عن تلك الجماعات الأخرى العارضة من المقاتلين، بأن أفراده كانوا هم دون سواهم الذين تظهر أسماؤهم في سجلات الديوان بأن لهم الحق في عطاء ثابت وحالة تجعل منهم نظامًا حكوميًا. أما الآخرون الذين كانوا أنواعًا شتى من المتطوعة، فلم يكونوا يتقاضون فحسب أعطيات أقل، بل كانوا - فيما هو أهم من ذلك - لا يتقاضون هذه الأعطيات إلا في الحرب التي تتطلب وجودهم، كما أنهم لم يكونوا يعدون من الجنود المحترفين. أما "الغزاة" فكانوا يعيشون مما يجنونه من نشاطهم غير الحربى في الفترات بين قتال وقتال، ومن نصيبهم من الغنائم أثناء القتال، ومن أعمال البر التي أخذ المسلمون في الداخل يكثرون منها ويقفونها عليهم عوضًا عن اشتراكهم في الجهاد، وكذلك كان هؤلاء لا يذكرون في السجلات العادية للجيش، كما كان من الواضح أنهم جنود غير محترفين.
ولم يبق الجيش الخراسانى بدوره بعد العصر العباسى الأول. وحين خلع الخليفة المأمون الحكم الذاتى لخراسان على الأسرة الطاهرية، نزع هؤلاء الطاهرية إلى أن يحتفظوا لأنفسهم بجزء كبير من المجندين الخراسانيين. ثم إنه إذا كانت دولة بنى العباس تدين بسلطانها إلى هؤلاء الخراسانيين، كما