أن المأمون بصفة خاصة استطاع بعد ذلك بزمن أن ينتصر على أخيه الأمين بفضلهم، فإن الخراسانيين أنفسهم أدركوا ذلك، وقد ظهر الاستياء منهم آخر الأمر في بغداد نفسها. والإحساس بأنهم أصبحوا حماة للدولة يتسببون في بعض المتاعب، أجل حدث هذا في بغداد التي كان الطاهرية مسؤولين عن حفظ الأمن فيها. وقد لجأ المعتصم نفسه - وهو الذي أخمد الجيش النظامى في مصر - إلى المبادرة بإحلال الأتراك محل الخراسانيين. والحق إن المقصود بهؤلاء الأتراك أول الأمر هو - على الأغلب - الأتراك المقيمين في نطاق الحدود الإسلامية، وفى مقدمتهم جميعًا أهل فرغانة الذين كانت ظروفهم الإجتماعية تشبه ظروف هؤلاء الخراسانيين وسرعان ما أصبح الشبان الذين يولدون في خارج الديار الإسلامية ويجلبون مماليك من أواسط آسية أو مما يعرف الآن بفيافى روسيا على يد المقاتلين أو التجار، يجندون باسم الاتراك. والأتراك الذين كانوا قبل كل شئ فرسانا مهرة لم يتصفوا فحسب بشهرة واضحة لها ما يبررها في الشجاعة الحربية والطبيعية والأدبية كما تشهد بذلك رسالة صغيرة للجاحظ، بل اتصفوا أيضًا بأنهم، وقد ارتبطوا بشخص مولاهم؛ وقد جلبوا صغار السن بحيث يستطيع أن يطبعهم بالطابع الذي يشاء فضلا عن بعدهم عن مطامع الأهلين على اختلاف أوطانهم ومنافساتهم، يمكن أن يتخذ منهم جيش يعول عليه الخليفة أكثر من تعويله على الخراسانيين الأولين. والحق إن التجربة أثبتت أنهم إذ جعلوا الخليفة يقع في قبضة سلطانهم، قد أصبحوا أبهظ عبئًا وأكثر ولاء لقوادهم بكثير من ولائهم للخليفة (لم يستطع الخليفة قط بعد المعتصم أن يعود إلى الهيمنة عليهم هيمنة مباشرة). ومع ذلك فإن مؤهلات الأتراك الفنية والعناية التي كان يبذلها القواد الأتراك في دعم التجنيد، بل كون الحصول على مماليك جدد كان أسهل وسائل العلاج لافتقار المماليك القدامى إلى النظام (ولو أن ذلك قد أدى على مر الزمن بطبيعة الحال إلى تكرار هذه الآفة) كل أولئك فيما يبدو قد جعل من المتعذر على الدول الإسلامية الشرقية حتى الأزمنة