على أنه حدث منذ سنة ٣١٧ هـ (٩٢٩ م) - وهو العام الذى وقع فيه انقلاب آخر ضد المقتدر - أن أصبح منصب الحاجب يصطبغ بصبغة عسكرية أوضح، وغدا الحجاب منافسين للأمراء، الذين كانوا قبيل هذا الوقت قد نجوا شيئًا فشيئًا فى الحلول محل الوزراء وفرض سلطانهم على الخليفة. واستطاع الحاجب الجديد ياقوت - الذى كان ضابطًا وواليًا سابقًا - أن يثبت بعض الوقت لمؤنس الذى كان صاحب السلطة فى كل الأمور وأن يقيم ابنه صاحبًا للشرطة. على أن الوالد والولد قد عزلا بعيد ذلك بناء على طلب مؤنس الذى تمكن من أن يستصدر من الخليفة أمرًا بتعيين إثنين فى منصب الحجابة من بنى رائق وكانا من بين ضباطه المخلصين. وفى عهد الخليفة التالى القاهر أقيم مرة أخرى فى منصب الحجابة جندى، هو ابن يَلْبَق الذى حاول فى ظل عهد قصير أن يهيمن على شخص الخليفة، بل يفرض عليه معتقداته الشيعية. وحدث بعد ذلك أن اقترنت الحجابة بالقيادة العليا، ذلك أن الحاجب الجديد للراضى - وهو ابن ياقوت الذى كان فى الوقت نفسه أميرًا - قبض على زمام الحكم وأشرف على الوزراء، وأصبح الحجاب على وشك أن يكونوا السادة الحقيقيين للدولة فى ذلك العصر حين أخذ سلطان الخليفة يضمحل يوميًا، على أنهم لم ينعموا بموارد مالية ضخمة كما كان ينعم ولاة الأقاليم، فاضطروا من ثم إلى النزول عن مكانتهم لهؤلاء. ولهذا السبب انتهى الخليفة إلى اختيار الأمير ابن رائق لتسلم زمام الحكم، وقد تلقى ابن رائق لقب "أمير الأمراء" سنة ٣٢٤ هـ (٩٣٦ م). وتعويضًا عن ذلك رفعت مرتبة لقب الحاجب فأصبح فى سنة ٣٢٩ هـ (٩٤١ م)"حاجب الحجاب" وهو لقب أشد وقعًا فى النفس، ولو أن عدد الحجاب الذين كانوا تحت إمرته قد نقص.
وفى هذا العهد، كما يتبين من أقوال هلال الصابئ، كانت المهام الرسمية للحاجب لا تزال محصورة فى الإشراف على جميع الأشخاص المكلفين بخدمة الخليفة أو حراسته، والإشراف على كل ما يجرى داخل القصر، وتنظيم