بغداد فى نهاية عام ٣٧٠ هـ (٩٨٠ م) أوصى به زيد بن رفاعة وأبو الوفا البوزجانى المحاسب خيرا لدى ابن سعدان (كنى بذلك نسبة إلى منصبه وهو مفتش الجيش: العارض"؛ انظر الروذراوردي: ذيل تجارب الأمم، ومن ثم جاء اللبس الذى وقع فيه ابن القفطى والمؤلفون المحدثون). وقد بدأ أبو حيان يكتب لابن سعدان كتاب الصديق والصداقة الذى لم يتم مع ذلك إلا بعد ثلاثين سنة. وكان يؤم بانتظام فى هذا العهد مجالس (مجالس حضرها سنة ٣٧١ هـ = ٩٨١ م، وانظر المقابسات، ص ٢٤٦, ٢٨٦) الرجل الذى أثر فيه أعظم الأثر ونعنى به أبا سليمان المنطقى؛ وقد كان أبو سليمان هو ملهمه الأكبر وخاصة فى المسائل الفلسفية بل فى كل موضوع آخر يمكن تصوره.
وقد ظل أبو حيان من حاشية الوزير الملازمين يحضر استقبالاته المسائية حيث كان عليه أن يجيب الوزير عن مسائل مختلفة أشد الخلاف من لغوية إلى أدبية إلى فلسفية إلى ثرثرة تدور فى البلاط وأسمار فى الأدب. (وكان أبو حيان فى كثير جدا من الأحيان يردد فى هذه المسائل آراء أبى سليمان الذى كان يعيش فى عزلة ولا يغشى هذه المجالس).
وقد نزل أبو حيان على رجاء أبى الوفاء المحاسب فجمع لإمتاع أبى الوفاء سجلا بسبعة وثلاثين مجلسا من هذه المجالس سماه "الامتاع والمؤانسة" (طبعة أحمد أمين وأحمد الزين، القاهرة سنة ١٩٣٩ - ١٩٤٤).
وفى سنة ٣٧٥ هـ (٩٨٥ - ٩٨٦ م) سقط ابن سعدان وقتل، وبدا أن ابن حيان بقى بلا مولى ولا راع (كتب لأبى القاسم المدلجى وزير صمصام الدولة بشيراز سنة ٣٨٢ - ٣٨٣ هـ = ٩٩٢ - ٩٩٣ م كتاب المحاضرات والمناظرات، وقد ذكر ياقوت فى إرشاد الأريب شواهد منه، جـ ١، ص ١٥؛ جـ ٣، ص ٨٧؛ جـ ٥، ص ٣٨٢, ٤٠٥؛ جـ ٦، ص ٤٦٦).
ولا نعرف عن خريف حياة أبى حيان إلا القليل، وقد كان فيما يظهر يعيش فى فاقة. وفى هذه السنين المتأخرة صنف "المقابسات" (بومباى سنة ٣٠٦ هـ, القاهرة سنة ١٩٢٩,