للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الموقف فى دمشق فى آخر عهده كان مضطربا، ففى سنة ٤١٠ هـ (١٠١٩ - ١٠٢٠ م) أقام الحاكم ولى العهد واليًا فاستحدث فيها عدة إجراءات متحررة مثل إباحة شرب الخمر، وكانت هذه الإجراءات لا تتفق وآراء الحاكم؛ وقد نصرته بعض طبقات الأهلين، وهم "الأحداث" فى حين أنكرته طبقات أخرى. وزاد ولى العهد على ذلك بأن دخل فى علاقات مع الجراحى فاستدعاه الحاكم، وصدع ولى العهد بهذا الأمر مباشرة، فرضى عنه الحاكم وبعثه ثانية إلى دمشق، ولكن قامت فيها فتنة عليه، وعملت ست الملك بعد وفاة الحاكم على اعتقاله وحمل إلى القاهرة.

وتدين القاهرة إلى الحاكم بإنشاء مسجد الراشدة (انظر ما سبق) ومسجد المقس وإتمام المسجد المعروف بالحاكم الذى كان قد بدأه العزيز. والحاكم هو الذى شيد أيضًا أول جامعة إسلامية هى "دار الحكمة" التى أسلفنا ذكرها بما فى ذلك مكتبتها الكبيرة. وقد رعى نشر العلوم والآداب وكان المؤرخ المُسَبِّحى من أقرب أصدقائه إليه، وقد كتب له الفلكى على بن عبد الرحمن كتابه "الزيح الكبير"، وكان على علاقات طيبة بالطبيب ابن مُقَشِّر، وقد استمع الحاكم لنصحه فعاد إلى شرب الخمر. ومع ذلك فصحيح أنَّه كان له طبيب آخر قتله.

وكانت نية الحاكم قد صحت فى أوائل عهده على أن يحكم بالتشاور المنتظم مع وجوه القوم فى القاهرة، ولكنه سرعان ما برم بذلك. ولا شك أن هذا كان نوبة من نوبات التواضع التى كانت كغيرها من النوبات فيها من الافتعال أكثر مما فيها من الصدق. على أن جميع المؤرخين يتفقون على أنه كان كريما وأنه بذلك أقصى ما فى وسعه لمحاربة المجاعة ببذل الهدايا ومحاولة تثبيت ثمن الطعام، وأن اهتمامه بالعدالة بلغ مبلغا جعله يحضر "الحسبة" وأنه قد أقام علاوة على رئيس الشرطة شاهدى "عدل" لا يصدر حكم إلا بموافقتهما. ويروى يحيى بأنه لم يسمح لنفسه قط بالاستيلاء على ملك أحد وأنه أبطل "المكوس" وغيرها من