ولا نكاد نعلم شيئًا عن الاستعمال الجاهلى لهذا اللفظ، على أن القرآن، وإن ورد فيه هذا اللفظ سبع مرات، فإنَّه يزودنا بمعلومات قيمة عن معناه الأصلى والمجازى، كما يزودنا إلى حد ما بمعلومات قيمة عن تطوره. والحجاب فى القرآن يدل على الاعتزال: فهو الستر والستارة التى اعتزلت وراءها مريم أسرتها (سورة مريم، الآية ١٧)؛ ثمَّ هو أيضًا السكن المستقل (السكن الداخلى من بعد) الذى فرض على أزواج النبى [- صلى الله عليه وسلم -](سورة الأحزاب، الآية ٥٣؛ وانظر السورة نفسها الآية ٣٢، ٣٣) وقد تم هذا فيما يظهر بناء على مشورة عمر. ولسوف يفصل بين أصحاب الجنة وأصحاب النار يوم القيامة حجاب، فسره المفسرون بأنه سور وقد استنبطوا هذا التفسير من القرآن (سورة الواقعة، آية ١٣)"وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ... "(سورة الشورى، الآية ٥١) وهو حجاب المقصود منه فيما يظهر حجب المصطفين عن النور المنبعث من وجه الله. والحجاب آخر الأمر هو نوع من الستر يحجب بالفعل (الشمس التى تتوارى وراء ستار الليل، سورة ص، الآية ٣٢) أو يحجب - بمعنى صوفى - الناس والأشياء.
وهذا المعنى الأخير جدير بالالتفات خاصة. فالكافرون يقولون للرسول ... قلوبنا فى أكنة مما تدعونا إليه وفى آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون" (سورة فصلت الآية ٥). وجاء فى القرآن "وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا مستورًا" (سورة الإسراء، الآية ٤٥)، ولا يتفق المفسرون فى تفسير معنى هذه العبارة. وقد رؤى أن هذا الحجاب إما أن يكون ستارًا محجوبًا بعث به الله ليخفى الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] عن أعين أولئك الذين سعوا إلى قتله (تفسير الجلالين) وأما حجابًا يطمس على المرتدين فيعجزون عن فهم ما تتلوه عليهم من القرآن (تفسير البيضاوى). وهذا التفسير الأخير يقارن بالآية ١٤ وما بعدها من سورة المطففين إذ جاء فيها أن المعتدين قد ران على قلوبهم ما يكسبون وأنهم عن ربهم لمحجوبون.