الثامن من ذى الحجة يوم التروية، ذلك أن الحجاج، فى قول بعيد الاحتمال يتزودون فى هذا اليوم بالماء للأيام المقبلة، ويجتمع المحملان خارج المدينة ويتقدمان الركب، ويتبعهما حشد مختلط كثيف من أناس تباينت أجناسهم راجلين أو محمولين فى محفات أو راكبين الحمير أو ممتطين صهوات الخيل يتدافعون ويتنازعون دائما، ثمَّ يصلون إلى سهل عرفات فيقفون الوقوف، ويبلغون هذا السهل عن طريق مِنى (وينطبق بها اليوم عادة مُنى، وتسمى أيضا الجمع والمشعر الحرام) والمزدلفة. وقد جرى ممثلو الخليفة على إقامة علم فى هذا السهل حل محله المحمل الآن.
ويصف الرحالة المحدثون اكتظاظ الوادى بالحجيج اكتظاظًا، ويتفق وصفهم فى معظم سماته مما ذكره الكتاب الأقدمون عن الأسواق التى كان يعقدها العرب الأولون. فالخيام والمظال (انظر Bilder aus: C. Snock Hurgronje Mekka رقم ١٣ - ١٦ وكذلك ١٠ - ١٢) فى كل مكان ويعرض التجار العديدون سلعهم فى المظال كما يعرضونها فى الأسواق، ويقوم البعض بتسلية الجموع بما أوتوا من مهارة (٩) ويرتقى كثير من الحجاج الجبل المقدس (وهو جبل الرحمة، ويرددون وراء شيخهم الأدعية المقررة فى الأماكن المعينة لها، وترتفع الصيحات بالتلبية فى كل مكان وينقضى النهار على ذلك، فإذا حل المساء أضيئت الأنوار الباهرة، ويقضى الحجاج الليل فى التضرع والابتهال إلى الله.
ويحل الوقوف نفسه فى اليوم التاسع، ويبدأ من الوقت الذى يميل فى ميزان الشمس إلى المغيب، ويكاد يستغرق هذا الوقت كله خطبتان يلقيهما عادة قاضى مكة، فهو يركب دابته صاعدًا إلى صخرة فى صدر جبل الرحمة، ويقرأ من كتاب أدعية مألوفة فلا يسمعه جل الحاضرين وإن سمعوه لا يفهمون ما يقرأه، ولكن ذلك لا يمنع أن تهتز مشاعرهم فترتفع أصواتهم عالية بالتلبية يرددونها مرارًا وتكرارًا،