تفسير النبى [- صلى الله عليه وسلم -] إذ قال: "إن أيام التشريق (من الحادى عشر إلى الثالث عشر من ذى الحجة) أيام أكل وشرب وبعال" ومن هنا كان أولئك الذين يجنحون إلى التقشف فى صدر الإِسلام يختارون زمن الحج فيختصونه بالزهد "انظر Goldziher فى Revue de l'Histoire des Religions جـ ٣٧، ص ٣١٨، ٣٢٠ وما بعدها).
والوقوف فى الإِسلام يمتد من الزوال إلى غروب الشمس، وقد ورد فى الحديث أن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أمر ألا يغادر الحجاج عرفات قبل غروب الشمس، فى حين جرى العرف من قبل على الشروع فى الإفاضة حتى قبل الغروب، على أنَّه قيل إن النبى [- صلى الله عليه وسلم -] لم يؤخر وقت الإفاضة فحسب، بل أبطل الشعيرة كلها بنهيه عن الإسراع إلى المزدلفة وأمره بأن يكون الوصول إليها بالسير العنق (وهو ضرب من السير ليس بالسريع ولا البطئ)، ولكن يتضح من وصف الإفاضة الذى سبق أن ذكرناه إلى أى حد كانت هذه العادة متأصلة فى النفوس، ويذهب سنوك هركرونييه Snouck Hurgronje إلى أن الإفاضة شعيرة شمسية، وهو رأى زاد هوتسما (Houtsma) من تحديده فيما يتصل بصفة الحج، ونعنى بذلك أن الحج كان يعد فى الأصل ملاحقة للشمس الغاربة (٢٧).
وكان [فى الجاهلية] إله المزدلفة هو قزح إله الرعد (٢٨)، وكانت النار تشعل على التل المقدس المسمى باسمه، وهنا يكون وقوف أكثر ما يكون شبهًا بالوقوف بسيناء. ذلك أن إله الرعد فى الحالين يتجلى فى النار، ثمَّ إننا يمكن أن نذهب إلى أن العادة المتوارثة التى تقضى بإحداث أكبر ما يمكن من الجلبة والضوضاء وإطلاق أكبر ما يمكن إطلاقه من النار كانت فى الأصل تعويذة يُستَجلب بها الرعد (٢٩).
وكانت الإفاضة إلى منى فى الجاهلية تبدأ بمجرد ظهور الشمس، ولذلك أمر النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بأن تبدأ الإفاضة قبل شروق الشمس، ونحن هنا أيضًا بصدد محاولة لإبطال