إن في عرفات طوافًا كالطواف حول الكعبة؟ إنما في عرفات وقوف من بعد الزوال إلى غروب الشمس يوم التاسع من ذى الحجة. وهذا منصوص عليه في الآية ١٩٨ سورة البقرة في قوله { .. فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ .. }.
(٢٥) إنَّ الذي يدرس دراسة صحيحة الديانات القديمة والحديثة، ويدرس القرآن دراسة فقه وتدبر يعلم يقينًا أن هذه الديانات كلها ترجع في أصلها الأول إلى دين سماوى صحيح، أفسده الناس على مر الأيام، بكثرة ما أحدثوا من البدع والأهواء والغلو حتى صارت إلى الوثنية والشرك. فإن الله تعالى يقول في سورة النحل {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}.
وشرائع الله تصدر كلها عن أصل واحد، هو الوحى من عند الله وتبليغ ممن يصطفى الله من الناس رسلًا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكلهم يصدق بعضهم بعضا، والقرآن ينص على أن العبادات: من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها شرعها الله للناس قديمًا وحديثًا، وإن اختلفت في هيأتها وأوقاتها وأماكنها ومقاديرها، وللإسلام من ذلك أكمل العبادات وخير الشرائع لأنه الدين الخاتم. فالله قد شرع الحج في القديم للناس في أماكن وبقع اختارها لهم، قبل أن يقيم بيته المحرم للناس كافة، وهذا لا يمنع أبدًا أن الله قد ألغى ونسخ الحج إلى هذه البقاع كلها بعد أن رفع إبراهيم وإسماعيل قواعد هذا البيت، وألزم الله الناس جميعًا على لسان إبراهيم الحج إلى هذا البيت وحده، فأصبحت هذه العبادة مقصورة على الكعبة وحدها. قال الله تعالى في الآية ٦٧، ٦٨ سورة الحج {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} والواضح الذي لا شك فيه: أن الوثنيين قد اتخذوا بما أوحى إليهم الشيطان معابد وهياكل يحجون إليها. ليس العرب وحدهم، ولا في القديم فقط، بل الناس هذا شأنهم حين تغلب عليهم الجاهلية، ويشرعون من الدين ما