لم يأذن به الله. فقد أقاموا من قبور أوليائهم ومن تماثيل معظميهم الذين غلوا فيهم، فأعطوهم الآلهية، ما يحجون إليه كل عام وينسكون عنده مناسك، يسمونها اليوم أعيادًا أو موالد كشأن الجاهلية الأولى. وكل ذلك لا يصيب به تشريع الله ولا يطعن به على الإِسلام وشرائعه وعباداته إلا من حملة الهوى أو الجهل أن يركب رأسه فيقول بغير علم ولا بينة {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى}.
إذا عرفت هذا وتدبرته جيدًا تساقط بين يديك كل ما زعمه الكاتب من المقارنة بين مناسك الحج في الإِسلام وأعمال الوثنية في العرب وبنى إسرائيل. فمما لا يشك فيه باحث منصف أن الوثنية كانت منتشرة قد بدلت شرائع الله ودين الرسل الذي جاءوا به لإخلاص العبادة لله وحده، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعثه الله لتخليص العبادة الحقة لله وحده من براثن هذه الوثنية القديمة والحديثة.
(٢٦) إنما اشتبه على الناس صيام يوم عرفة لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"صوم يوم عرفة يكفر السنة التي قبله" فظن بعض الناس أن هذا يشمل يوم عرفة للحاج الواقف بعرفة. فبين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الفضل لمن لم يكن حاجًا بعرفة.
(٢٧) إن توقيت الله تعالى للعبادات بحركة الشمس في زوالها أو طلوعها أو مغيبها لا دخل له في تعظيم الشمس - كما زعم الكاتب وإخوانه - ولقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من تحرى أوقات طلوع الشمس وغروبها وتوسطها السماء بالعبادة خوفًا من التشبه بالوثنيين الذين يعبدون الشمس. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنها تطلع وتغرب بين قرنى شيطان" فكيف بعد هذا يدعى أن الإفاضة من عرفة إلى مزدلفة بعد الغروب ملاحقة للشمس الغاربة إلا من غلبه الهوى وأعماه التعصب للباطل؟ ! .
(٢٨) إن الوقوف بالمزدلفة - المشعر الحرام - منصوص عليه في القرآن في سورة البقرة {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} وهو ينص صريحًا على أنه وقوف لذكر الله وحده