(٢) هذا غير صحيح، فلم يكن اتباع سنة النبى - صلى الله عليه وسلم - عند المسلمين عن عادة اتباع الآباء، وقد نعاها الله على الكفار نعيًا شديدًا وتوعد عليها وعيدًا كثيرًا، وأمر الناس باتباع الحق حيثما كان، واستعمال عقولهم فى التدبر فى الكون وآثاره ونقد الزيف من الصحيح من الأدلة. وإنما كان حرص المسلمين على سنة رسول الله اتباعًا لأمر الله فى القرآن "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة" الآية ٢١ من سورة الأحزاب (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) الآية ٦٣ من سورة النور (وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) الآية ٤٤ من سورة النحل. إلى غير ذلك من أوامر الله فى كتابه، مما لا يجهله مسلم، واتباعًا لأمر رسول الله نفسه، فى الأحاديث الصحيحة المتكاثرة وفيما ثبت عمليًا بالتواتر، من عمل كبار الصحابة ثم من بعدهم من التابعين والعلماء، لم يشذ بعد الصحابة إلا أناس غلبهم الهوى أو أعمتهم الجهالة. وهذا موضوع أطال البحث فيه العلماء السابقون وأبدعوا حتى لم يدعوا قولا لقائل أو كادوا. وكتب السنة وكتب الأصول وغيرها مستفيضة، والباحث المنصف يستطيع أن يتبين وجه الحق. ويكفى أن نشير إلى كتابين فيهما مقنع لمن أراد: كتاب (الرسالة) للإمام الشافعى بتحقيقنا وشرحنا (طبعة مصطفى البابى الحلبى سنة ١٩٣٨) وكتاب (الروض الباسم فى الذَّب عن سنة أبى القاسم) للعلامة محمد ابن إبراهيم الوزير اليمنى المتوفى سنة ٨٤٠ (طبعة المطبعة المنيرية) فإنى رأيت كاتب المقال لم يشر فيه من أوله إلى آخره الى مصدر عربى أو إسلامى رجع إليه فى بحثه، وهذا عجب!
(٣) ليس هذا على إطلاقه. فالصحابة، وهم الطبقة الأولى من رواة الحديث الذين سمعوه وشاهدوه أو أخذ بعضهم عن بعض، كلهم ثقات مصدقون إلا أن يخطئ. أحدهم فى الرواية فيتبين خطؤه من درس. الروايات الأخرى وموازنة بعضها ببعض، والتابعون وتابعو التابعين، وهم الطبقات الثانية والثالثة، درس علماء الحديث أخبارهم وآثارهم ورواياتهم