وقال السيوطى:"بل بالغ الشيخ أبو محمد الجوينى فجزم بتكفير واضع الحديث". فهذا قول أئمة المسلمين وعلماء الحديث، لا ما نقله كاتب المقال عن كتب إفرنجية، مما يوهم أن المسلمين يجيزون وضع الحديث والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! ومعاذ الله أن يكون هذا منهم. وانظر تفصيل ما كتبنا عن الأحاديث الموضوعة فى شرحنا على كتاب اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير (طبعة مطبعة حجازى سنة ١٩٣٧).
(٨) لم تكن الثقة بأبى هريرة محل جدل إلا عند أهل الأهواء، ثم تبعهم بعض من اصطنع الجرأة فى الطعن على السنة من المتأخرين. وإنما كان بعض الصحابة يأخذون عليه الإكثار من الحديث خشية الخطأ، ثم كانوا إذا حققوا ما أخذوا عليه أيقنوا من صحة ما روى, والأخبار فى ذلك متكاثرة وكان هو يرد على من أخذ عليه كثرة الرواية، يقول:"إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول لله - صلى الله عليه وسلم - والله الموعد، إنى كنت امرأ مسكينًا أصحب رسول لله - صلى الله عليه وسلم - على ملء بطنى، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم". وقال ابن عمر:"أكثر أبو هريرة" فقيل له: "هل تنكر شيئًا مما يقول؟ " قال: لا، ولكن جرؤ وجبُنا" فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: "ما ذنبى إن كنت حفظت ونسوا"، وغاضبه مروان بن الحكم فقال له: "إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة الحديث وإنما قدم قبل وفاة رسول لله - صلى الله عليه وسلم - بيسير" فقال أبو هريرة:
"قدمت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين، فأقمت معه حتى مات، وأدور معه فى بيوت نسائه وأخدمه وأغزو معه وأحج، فكنت أعلم الناس بحديث، وقد والله سبقنى قوم بصحبته فكانوا يعرفون لزومى له فيسألوننى عن حديثه، منهم عمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير، ولا والله لا يخفى على كل حديث كان بالمدينة، وكل من كانت له من رسول لله - صلى الله عليه وسلم - منزلة، ومن أخرجه من المدينة أن يساكنه". قال الوليد بن رباح راوى هذه