وما إن يتم النصر حتى يبعث الغازى أو وزيره برسائل الفتح التى أصبحت بمرور القرون فرصة متزايدة للإنشاء الذى تجمد على صورة واحدة وراح يمارسه رؤساء ديوان الرسائل
(انظر الرسائل التى كتبها القاضى الفاضل باسم صلاح الدين والرسائل التى كتبت بمناسبة الاستيلاء على بيت المقدس). وهذه الرسائل بطبيعة الحال تبالغ فى قوة العدو ورفع شأن الانتصار الذى أحرز وتقلل من الخسائر. وفى حالة الحرب على الكفار والزنادقة كان يرفع تقرير خاص للخليفة، الذى يبعث بتهانيه ويسبغ آيات التشريف. وكذلك يمنح الأمير القائد الظافر أوسمة التشريف. وإذا كان الأمير هو الذى قاد بنفسه الحرب، فهو يقيم حفلات ويخلع ألقابا ومآثر ويسبغ العطايا، ولو أن ذلك لم يكن يحدث بصفة منتظمة كما أنه لم يكن مفروضا أو واجبا.
وكان الأسرى الذين يقعون من نصيب الأمير يستخدمهم فى العمل الشاق الذى يأنس صعوبة فى أن يدبر له العمال الوطنيين (مثل بناء الحصون وما إلى ذلك). أما الأسرى الموسرون فكانوا طبيعة الحال يفتدون كما هو منتظر، من قبل أسرهم أو من قبل الأمير العدو. وقد يحدث أيضا تبادل للأسرى إذا وقعت معاهدة سلام أو صلح. ونذكر أخيرا، وخاصة فى حالة الحرب على الكفار، أن المال يبذل أو يوقف من قبل الصالحين لافتداء أسرى المسلمين (وكذلك يفعل الجانب المسيحى بالنسبة لفداء أسراه). وحين يحدث، فى مدينة مثلا، أن يؤسر مدنيون قد لا يكونون مسلمين، فإن إخوانهم فى الدين يفتدونهم، وقد حفظت وثائق الجنيزة مثلا رسائل خاصة بافتداء اليهود. وكانت فدية الأمير العادى تكاد تعادل بطبيعة الحال ثمن العبد.
والظاهر إن الفقه الإسلامى لم يعن بحالة الأسرى من حيث هم أسرى فى دار الإسلام (كانوا عبيدًا). على أنه عنى بالطريقة التى يتصرف بها المسلمون الذين يقعون فى أيدى الكفار فى البلاد