يناصر الحرب ظل نافذ الكلمة فى مكة، ولما نقض هذا الصلح بسبب النزاع الذى قام بين قبيلتى بكر وخزاعة، خشى أبو سفيان عاقبة ذلك على مكة، فخرج إلى المدينة ليدبر الأمر، ويقول ابن هشام وغيره إن ابنته أم حبيبة، التى كانت قد تزوجت من النبى وقتئذ، أساءت معاملة أبيها إلى حد بعيد، كما أساء معاملته النبى نفسه، على أن التفاهم بين محمد وحميه كان فى واقع الأمر كبير النفع للأول، ولذلك فلابد أن النبى قد تلقى أبا سفيان على غير ما تذكر الروايات وتفاوض معه فى أمر تسليم مكة. ويتفق هذا مع ما صرح به النبى عندما بدأ يغزو مكة. من أن كل من يحتمى بدار أبى سفيان فهو آمن، وقد عيرت أبا سفيان زوجته هند لتخاذله، وذهبت غضبتها أدراج الرياح، كما خابت المقاومة الحربية التى نظمتها للك الشرذمة الضئيلة التى أصرت على الخصومة والعناد، وعرف محمد بفضل معاملته الحسنة لأبى سفيان إلى أى حد يدين هو لهذا الرجل الذى عمل بالحيلة على تسليم مكة. وصحب أبو سفيان النبى فى غزوته لقبيلة هوازن، ويحتمل أنه لما ساءت الأمور لحظة فى وقعة حنين، أمل أبو سفيان أن يتخلص من النبى، ولكنه لم يتعلقْ البتة باهداب هذا الأمل، وأعطى أبو سفيان عقب النصر -إرضاء له- نصيبا وافرا من الغنائم فرضى بهذا كل الرضا، وفقد إحدى عينيه أثناء حصار الطائف، وكانت إحدى بناته تعيش داخل أسوارها، ويذكر الطبرى (ج ١، ص ٢١٠١) أنه فقد عينه أثناء وقعة اليرموك، وولاه أبو بكر حكم نجران والحجاز (هكذا يقول البلاذرى، طبعة ده غويه، ج ٧؛ قارن ابن حجر، الإصابة، ج ٢، ص ٤٧٧، وفيه معارضة للرواية التى تقول إن النبى ولاه نجران)، ولا قيمة لمعظم الروايات الأخرى التى تتحدث عن أبى سفيان فيما بقى من أمور، لأن التحزب فيها ضد الأمويين واضح كل الوضوح. ولذلك يشك كثيرا فى رواية الطبرى (ج ١، ص ١٨٢٧ وما بعدها) التى تقول إن أبا سفيان عارض فى استخلاف أبى بكر وأن عليا لامه على ذلك، والقصة التى تنسب إلى أبى بكر من أنه أغلظ فى القول إلى أبى سفيان وأنه وجه كلاما إلى أبيه الذى بهت لهذا الموقف, لامراء أنها وليدة روح العداء للأمويين. وتظهر هذه الروح أكثر