المحافظة فى العصر التالى لعصر نابليون، وبفكرة الدولة التى تقوم على حكم القانون وتباين الحكم المطلق الذى لا عنان له المأثور عن نابليون وحكم الثورة الخالى من القيود. ومن أهم هؤلاء الكتاب الشيخ المصرى رفاعه رافع الطهطاوى الذى عاش فى باريس (من سنة ١٨٢٦ إلى سنة ١٨٣١ م) وقد نشر وصفه لما رأى وعلم أول ما نشر فى بولاق بالعربية سنة ١٨٣٤ م وبالتركية سنة ١٨٣٩ م وقد اشتمل هذا الوصف على ترجمة وتعليق على الدستور الفرنسى ووصف للمؤسسات البرلمانية التى كان الغرض منها أن تحقق قيام حكومة فى ظل القانون وحماية الرعايا من الطغيان وما يسميه الفرنسيون "الحرية" هو عين ما يسميه المسلمون "العدل والإنصاف" أى تحقيق المساواة أمام القانون والحكم بمقتضى القانون وتجنب الحاكم القيام بأفعال تحكمية غير قانونية ضد الرعية (تخليص الإبريز فى تلخيص باريز، طبعة مهدى علام وأحمد بدوى وأنور لوقا، القاهرة من غير تاريخ [١٩٥٨؟ ] ص ١٤٨). وساعدت مساواة الشيخ رفاعة الحرية بالتصور الإسلامى المأثور عن العدل على ربط التصورات الجديدة بالتصورات القديمة وكيّف رفاعة كتاباته السياسية بسلسلة المواعظ الإسلامية الطويلة الموجهة إلى السلطان ليحكم بحكمة وعدل مع الاحترام الواجب للشرع والرعاية الواجبة لصالح رعاياه وخيرهم. أما الجديد والغريب على الأفكار السياسية التقليدية فكان اقتراح أن الرعية لها "الحق" فى أن تعامل بالعدل، وأنه لا بد من قيام جهاز لضمان هذا الحق، وقد تبين الشيخ رفاعة وشرح فى إدراك عجيب مهام البرلمان المختلفة والمحاكم والصحافة فى حماية الرعايا من الطغيان، أو قل إنه بين أثرها فى تمكين الرعايا من حماية أنفسهم: على أن الأمر البعيد عن الوضوح هو مدى إحساسه بارتباط هذه الأفكار والنظم بحاجات بلاده، ففى كتاباته المتأخرة لا نجد إلا إشارات قليلة لوجود أى ارتباط من هذا القبيل، بل إن امتداحه الخديوى إسماعيل لإقامته مجلسا للمشورة سنة ١٨٦٦ م يفصح عن عناية تقليدية بواجبات الحاكم (العدل والمشورة) أكثر